كثيرون قد يسمعون بهذا المصطلح، أي «الحرب السيبرانية» هذه الأيام وقد لا يعرفون معناها بالتحديد، وهنا التعريف لهذا النمط من أنماط الحروب التي ظهرت مؤخراً، يفيد بأن المصطلح يعني «الحرب الإلكترونية»، والتي تتضمن تعريفاً معنياً بالاستخدامات العسكرية لها، من خلال الاستفادة من التكنولوجيا، واستغلال الإلكترونيات، والاستفادة من الطاقة والطيف الكهرومغناطيسيين واللذين يخدمان عملية تبادل البيانات عبر الأنظمة الشبكية.

هذا هو التعريف «المعقد» والذي يتضمن تفاصيل تقنية، لكن الحرب السيبرانية التي تدار اليوم بشكل متواصل، تأخذ شكلاً أبسط من تعقيدات التعريف، خاصة النوع الذي لا تحتاج فيه لإدارة المنظومات العسكرية، بل تديره جماعات وجهات تعرف تماماً ماذا تريد عبر الاستفادة من الثورة المعلوماتية، ويتمثل ذلك من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية المختلفة، لاستهداف دول وأنظمة أو أفراد أو جماعات، ولمنفذوها غايات وأهداف محددة.

تعتبر الحرب السيبرانية، نسبة إلى «السايبر» وهو التوصيف للفضاء الذي يضم منظومات الاتصال والمعلومات والشبكات المحوسبية، وتتنوع أشكاله حسب استخدامات الدول لهذا الفضاء، رغم أن التركيز الأكبر على الجانب الأمني والاستخباراتي بشكل أكبر من المدني والمعلومات، أقول بأن الحرب السيبرانية تعتبر إحدى أدوات الجيل الخامس للحروب!

أحد يسأل هنا، وماذا نعني بالجيل الخامس للحروب؟! ولماذا خمسة؟! وما هي الأجيال الأربعة السابقة؟!

الإجابة نوردها هنا بأن أنماط الحروب تغيرت عبر التقادم الزمني، وبحسب الظروف والمعطيات الزمنية، وأيضاً بناء على الإمكانيات والتطور في شتى المجالات بالأخص في علوم السياسة والتكنولوجيا، فقد مرت الحروب بخمسة أجيال، كل جيل يمتلك نمطاً مختلفاً تتنوع فيه الأدوات. والأجيال على عجالة هي كالتالي:

الجيل الأول للحروب: الحرب التقليدية بالأسلحة بين طرفين، تنتهي بانتصار طرف وهزيمة آخر.

الجيل الثاني للحروب: الحروب الشاملة التي تدخل فيها منظومات الدول كلها من مؤسسات وحتى أفراد عاديين، دون الاقتصار على الجيوش، مثال ذلك الحروب العالمية.

الجيل الثالث للحروب: تمثلت بالحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وامتازت بنشاط الجاسوسية، والحروب بالوكالة، والحروب الاقتصادية، وكذلك الانقلابات وما تداخل معها مع حركات التحرر.

الجيل الرابع للحروب: حروب الصدمة والترويع، مثلما حصل في العراق وأفغانستان.

الجيل الخامس للحروب: وهي حروب اللاعنف الساعية لإسقاط الأنظمة، وفي هذه الحروب استخدمت الحرب السيبرانية كإحدى أقوى الوسائل للتحشيد والتحريض والاستهداف والإرهاب الإلكتروني.

وبناء على ما بيناه أعلاه، فإن الاستهانة اليوم بما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديداً ما يتم به استهداف دول وأنظمة، أو يسعى من خلاله لضرب وإقلاق أمن مجتمع، أو إحداث شرخ وتقسيمات بين شرائحه، هي استهانة تترتب عليها تداعيات خطيرة، بإمكانها تهديد الأمن القومي، إضافة لتعزيز نشاط الجماعات الإرهابية، وأخطر من ذلك عبر تشويه سمعة وشكل الدول وتضليل المجتمع الدولي.

لذلك ما كشفت عنه وزارة الداخلية من حسابات عديدة على وسائل التواصل الاجتماعي، تدار من الخارج، ومن قبل شخصيات انقلابية ومدعومة إيرانياً، وكان لها نشاط في تشويه صورة البحرين، كشف مهم، بحيث يعرف الناس في الداخل ممن ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي حقيقة هذه الحسابات التي تمارس الفتنة وتستهدف البحرين، ومن يقف وراءها، وما هي أهدافه، وذلك حتى لا يستمر انجرار كثير من الناس وراء ما تتناقله هذه المواقع وما تبثه من سموم وأخبار ومعلومات مضللة هدفها ضرب الداخل البحريني.

هذه الحسابات المشبوهة والوهمية أصحابها، لها أهداف عديدة، كانت سبباً لإنشائها، وسبباً لتخفي هذه الشخصيات الإرهابية وراءها، والتي تنفذ أجندة إيران، وأحد أهم أهدافها هو ضرب البحرين وإشعال نار الفتنة وإشغال المواطنين المخلصين بأنفسهم عبر إشغالهم بأمور وإشاعات تؤثر على وطنيتهم وإخلاصهم لبلدهم ونظامهم.

الحرب السيبرانية لا يجب التعامل معها بتهاون، بل الحذر المقترن بالحسم والردع لمن يمارس هذه الأفعال الشنيعة من وراء «برقعه» الوهمي الذي يخفي وجهه به.