البطل الشعبي مفهوم حملته لنا الحكايات والسير الشعبية. أو عن طريق الأسلوب السردي الذي وصلت به إلينا الأحداث التاريخية التي تحولت أغلبها، هي الأخرى، إلى حكايات ومآثر شعبية أكثر منها وثائق تاريخية. وعلى الرغم من أن فكرة البطل الشعبي فكرة قديمة تعود إلى حكايات الشعوب الأولى. إلا أنها تبقى حلماً وطموحاً يدغدغ خيال الجماهير والأفراد ووجدانهم بين فترة وأخرى. ونرى تمثلاتها الإديولوجية والسياسية، حين يحاول بعض الأفراد تقمص شخصية البطل الشعبي خارج محمولات هذا المفهوم.

والسمات التي تميز شخصية البطل الشعبي تتمثل بصورة أساسية من سمتين: الأولى هي الخوارق التي تحيط بميلاده وسيرته والتي تعينه على تغيير الأحوال، أو النموذج الأخلاقي العالي والملهم الذي يمثله والذي يجعله رمزاً للتضحية من أجل الآخرين. أما السمة الثانية في فهي القدرة على «النجاة الجماعية» التي يخلص بها البطل الشعبي الجماهير من آلامهم ومعاناتهم. ولذلك ذهبت تفسيرات مدرسة التحليل النفسي إلى أن ظهور البطل في الأحلام أو في الكتابات هو تعبير عن «عقد/ مرض» نفسي نتيجة الشعور بالضعف أو الخوف. وذهبت الدراسات الإنثربولوجية إلى أن فكرة البطل الشعبي تمثل خللاً اجتماعياً نتيجة نقص بعض الوظائف الاجتماعية التي تمنح المجتمع والفرد الشعور بالأمان.

وفي أزمة ما سمي بـ «الربيع العربي» التي عصفت بالبلدان العربية برزت ظاهرة تواري الساسة والحكماء والمفكرين والمختصين في الشؤون الاقتصادية والسياسية وظهور عدد ممن يمكن تسميتهم نموذجاً «مختلاً» للأبطال الشعبيين. هؤلاء الأبطال الذين حملوا طموحات الجماهير في الثورة والتغيير وتبدل الأحوال، تمكنوا من حشد جماهير غفيرة عبر برامج التواصل الاجتماعي الخارقة. ووعدوهم بأن تتحقق المعجزة ويصير الوطن وطناً آخر غير الذي ولدوا وعاشوا فقره وقسوته وتمييزه. لكن الخوارق لم تكمل دورها والمعجزة لم تتحقق وصار الوطن ناراً وخراباً. وفر من استطاع الفرار من الأبطال الشعبيين أو غرق في شأنه كحال كل الجماهير التي كانت خلفه.

وحين يلجأ بعض نوابنا الأفاضل إلى الصراخ والتلويح بمقاطعة البرلمان لتأخر حل مشكلة إرجاع العالقين في إيران. في الظرف الذي تخوض فيه البحرين حرباً ضروساً وفاعلة أمام فيروس (كوفيد 19)، فإنهم يعيدون تذكيرنا بإحدى خوارق الأبطال الشعبيين في أزمة «2011» المتمثلة في تعطيل مؤسسات الدولة ونزع الثقة منها. وأن هذا السلوك سيضغط على الدولة، بالتالي تتحقق المعجزة ويعود العالقون في اليوم التالي ويكسب البطل الشعبي رهانه أمام جماهيره. ونحن إذ نثق في نوايا نوابنا وتألمهم لمناظر المواطنين البحرينيين العالقين في إيران ثم قطر ثم مسقط، ندرك كذلك أنهم «يحاتون» الانتخابات القادمة ولا بد من أن يثبتوا أنهم منحازون لناخبيهم خاصة وللشعب عامة.

واستمرار التجربة الديمقراطية في البحرين يستدعي أن تنضج المسيرة الديمقراطية مع كل تجربة، لا أن تعيد اجترار أخطائها. وهذا يتعين على نواب الشعب الحاليين أو الراغبين في الترشح مستقبلاً أن يعوا أن دورهم هو تقديم المقترحات والبرامج التي تحقق مصالح الناس وتحقق التغير المطلوب. وأن تكون لديهم رؤية واضحة وتعامل صريح وصادق مع جماهيرهم. وهذا لم يتحقق في أزمة مواطنينا العالقين في إيران. فلم يتقدم السادة النواب المحتجون بأي مقترحات أو تصورات أو مبادرات تساعد الحكومة في حل الأزمة. ثم إنهم لم يصارحوا الناس بأن أزمة العالقين سببها طبيعة قطع العلاقات السياسية والمواصلات الجوية بين إيران والبحرين. ثم دخول قطر على خط الأزمة لتسخينها. وأن الشق الأخطر في الأزمة هو عزوف شركات الطيران العالمية عن الهبوط في الدول الموبوءة بفيروس كورونا مثل إيران وهذا سبب تراجع العديد من شركات الطيران العالمية عن إرجاع البحرينيين العالقين في إيران. بالتالي فإن المجهود الجبار الذي بذلته وتبذله مملكة البحرين لاسترجاع مواطنيها من بقعة خطيرة ومعزولة عن العالم يعد بطولة وتفانياً وشرفاً يستحق الدعم لا المقاطعة والمزايدة.

وفي مصير الأبطال الشعبيين لأحداث فبراير 2011 في البحرين. فإن ما ميز سلوك أغلبهم بعد انقشاع الأزمة هو «النجاة الفردية» لهم ولأسرهم بالفرار من البحرين، أو ترحيلهم عائلاتهم خارج البحرين. لقد تركوا جماهيرهم التي خرجت لمواجهة رجال الأمن وسد الشوارع وتعطيل مؤسسات الدولة، تواجه مصيرها القانوني بمفردها دون خوارق ولا معجزات، ولا حتى تقديم تفسير أخلاقي لجدوى الموت في أعمال العنف والشعب.