في قلب الشعب العربي يسكن المطرب اللبناني وديع الصافي صوت الجبل الذي ساهم في تطوير الأغنية اللبنانية وترك بصمة فنية خالدة.

في ذكرى ميلاد وديع الصافي، التي تحل الإثنين 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تلقى "العين الإخبارية" الضوء على محطات مهمة في مسيرته الفنية، كيف بدأ وإلى أي طريق انتهى؟.



البداية

اسمه "وديع بشارة يوسف فرنسيس" من مواليد 1921 في قرية نيحا الشوف اللبنانية.

عاش طفولة قاسية، إذ عرف مرارة الفقر والحرمان بسبب تواضع الظروف المادية لأسرته.

وفي عام 1930، تركت أسرته القرية، واستقرت في العاصمة اللبنانية بيروت، والتحق وديع بمدرسة دير المخلص الكاثوليكية، وبسبب موهبته الفطرية أصبح منشدها الأول.

وأمام رعونة الحياة، قرر الصغير هجرة المدرسة والخروج لسوق العمل، للمساعدة في تلبية احتياجات أسرته، وكان ذكيا عندما اختار الموسيقى طريقا له، فخرج يغني في العديد من المناسبات ويتحسس الطريق.

عام 1938 شارك وديع الصافي في مسابقة نظمتها الإذاعة اللبنانية لاكتشاف المواهب الغنائية، ونجح في الفوز بالمركز الأول في التأليف والغناء، واستطاع أن يلفت أنظار عمالقة الفن في لبنان، لذا تحمس لدعمه محيي الدين سلام، ميشال خياط ، وسليم الحلو.

الأغنية الصافية

لم يتعامل وديع الصافي مع الفن باعتباره وسيلة لكسب الرزق، وقرر أن يمنح الأغنية اللبنانية طعماً ولوناً خاصاً بها، ومن حسن حظه إنه تعرف على الشاعر الموهوب أسعد السبعلي، حيث قدما معاً مجموعة من الأعمال الغنائية المهمة مثل "تكتك العصفور، طلع الصباح".

وكانت أغنية "عاللّوما" والتي قدمها عام 1948، علامة مضيئة في مشواره الفني، ذاع صيته بعد طرحها، وقال عنه النقاد إنه قدم الأغنية اللبنانية الصعبة بأسلوب سهل وألحان شديدة الخصوصية.

يوم بعد الآخر توهج حماس وديع الصافي، وسمحت له الشهرة بالجلوس مع كبار الملحنين في مصر والعالم العربي مثل محمد عبد الوهاب، والأخوين رحباني، وعفيف رضوان، وزكي ناصيف، وأقنع هؤلاء العباقرة بمشروعه الغنائي لتطوير الأغنية اللبنانية التي دعمها بالموال لاستعراض إمكانيات صوته.

مواقف صعبة

تملك الحزن من قلب وديع الصافي، وتوقف عن الغناء فترة طويلة بسبب الحرب اللبنانية، واعتراضاً على هذه الأوضاع ترك بيروت، وسافر إلى باريس عام 1978، كان من الممكن أن يعتزل الغناء إلا أن أصدقائه نجحوا في إقناعه بالعودة، والغناء من أجل بيروت ووحدة لبنان.

وبالفعل عاد للغناء، وملأ الدنيا وشغل الناس بأعمال رائعة، الأمر الذي دفع النقاد والجمهور لمنحه العديد من الألقاب مثل "صوت الجبل، مطرب الأرز، قديس الطرب، عملاق لبنان".

وعندما شعر وديع الصافي بأهمية السينما في توثيق حياة الفنان، شارك بالتمثيل والغناء في 7 أفلام هي: "الخمسة جنية، غزل البنات، إنت عمري، اللحن الأول، نار الشوق، الاستعراض الكبير، ليالي الشرق".

عام 1990 تراجعت الحالة الصحية للفنان وديع الصافي، ونصحه الأطباء بإجراء عملية القلب المفتوح، تردد في البداية، وعندما اشتد عليه الألم دخل غرفة العمليات، وكتب له القدر السلامة.

الغناء حتى آخر العمر

ظل وديع الصافي يغني حتى آخر أيام العمر، وقدم أعمالا من الصعب أن تسقط من ذاكرة الجمهور منها "دار يا دار، على رمش عيونها، لبنان يا قطعة سما، بالساحة تلاقينا، ويلي لو يدرون".

الأمر الغريب في حياة وديع الصافي، هو أنه رغم النجاح والسطوع، أعلن إفلاسه قبل رحيله بعام واحد، وبرر الأمر بأنه نتيجة عقد الاحتكار الذي وقعه مع شركة "روتانا"، والذي كان سبباً في خسارة ثروته.

وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول 2013، مات قديس الطرب عن عمر ناهز 92 عاماً، توقف صوت الجبل عن الغناء، وترك الحزن في قلوب عشاق الأغنية الصافية.