وردني من أحد الأصدقاء تعقيب، على ما ورد في المقال السابق «مآلات الهيمنة الأمريكية»، تضمن تساؤلاً إنكارياً: «لماذا التحامل على أمريكا، مع أنها زعيمة الحرية والديمقراطية، وحاملة لواء نشرهما في كل مكان في العالم»؟.
كتبت للصديق موضحاً:
إن أمريكا التي تخيّلها أحدُ الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، والكاتب الرئيسي لإعلان الاستقلال، وثالث رئيس لها، توماس جيفرسون، كجمهورية فاضلة على طريقة اليونان القديمة، تختلف عن أمريكا التي نراها ونتحدث عنها اليوم.
لقد حلم جيفرسون ببناء أمةٍ مسالمةٍ متميزةٍ عن أوروبا التي كانت آنذاك غارقةِ في الحروب الاستعمارية. إلا أن ما حدث في الواقع، هو قيامُ أمَّةٍ محاربةٍ في منافسةٍ مُستعرةٍ مع نفسها، ومع عبيدها ومع سكَّانها الأصليين. وتدريجيّاً تحولَّت إلى دولة على شاكلةِ الاستعمارِ الأوروبيِّ، عندما احتلت فيتنام وأفغانستان، ثم العراق.. وذلك بعكس النَّموذج الذي حلم به جفرسون. كما مارست الإدارات الأمريكية المتعاقبة في حق البلدان الأخرى، ما كان قد آخذه جفرسون على الفرنسيين في عهد نابوليون، بمحاولتهم «فرض مفهومهم الخاص للحرية على جيرانهم، وعلى البلدان والشعوب الأخرى».
كما أنَّ المبادئَ الأربعة عشر المُعلنة من الرئيس ولسون، في مطلع العام 1918 من أجل السّلام، قد ألهمت بناءَ الاتحاد الأوروبي الرَّاهنِ، أكثر مما أثّرت في سياسات وتوجهات الولايات المتحدة الأمريكية. إذ لم يعد لتلك المبادئ المتعلقة بالحريات «حرية التفكير والتعبير والتجارة والمعتقد وتقرير المصير ومقاومة المحتلين الخ»، أي أهمية كبرى عندما تتحرك القوات الأمريكية في الخارج، حيث يبدأ الغزو والاحتلال وإسقاط الدُّول والأنظمة أمراً مشروعاً، بالتناقض مع مبادئ الحريةِ وشِرعةِ الحقوق والمبادئ التي كافحت البشرية من أجلها على امتداد القرون الماضيةِ.
إن القيم التي تمثل الرأسمال الرَّمزي للولايات المتحدة الأمريكية، يا صديقي، والتي تعلن بأنها تُدافع عنها، كـالحرية والديمقراطية، تدخل في تناقض مرير مع العديد من الممارسات التي شهدها العالم خلال العقود الماضية. ولا حاجة هنا إلى استعراضها، لأنها معلومة تماماً، من هيروشيما ونكازاكي، إلى فيتنام، وصولاً إلى بو غريب العراق وغوانتنامو كوبا... بل إنها صبغت القانون الدولي بصبغة أمريكية، وأصبحت الشرعية الدولية مجرد صدى لصوت البيت الأبيض، وأصبح يتعين على دول العالم مراعاة مصلحة أمريكا أولاً، إن أرادت أن تبقى سالمة، وإلا فإنها تكون معرضة إلى جميع أشكال العقوبات والتهديدات والغضب المفضي إلى السقوط أو الحصار.
إنَّ وراء العواصف المعلنة، والغبار الكثيف الذي نشهده حالياً، عوارض لاتساع المسافة بين الشعارات والتصرفات. ولذلك يتزايد اليوم حتى عدد الأمريكان الذين بدؤوا يعون بأن العصر الأمريكي الذهبي الذي كانت فيه أمريكا تدعم حق الشعوب في تقرير المصير والحريات والوقوف إلى جانب الحق والقانون الدولي، قد بدأ يتلاشى.
كتبت للصديق موضحاً:
إن أمريكا التي تخيّلها أحدُ الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، والكاتب الرئيسي لإعلان الاستقلال، وثالث رئيس لها، توماس جيفرسون، كجمهورية فاضلة على طريقة اليونان القديمة، تختلف عن أمريكا التي نراها ونتحدث عنها اليوم.
لقد حلم جيفرسون ببناء أمةٍ مسالمةٍ متميزةٍ عن أوروبا التي كانت آنذاك غارقةِ في الحروب الاستعمارية. إلا أن ما حدث في الواقع، هو قيامُ أمَّةٍ محاربةٍ في منافسةٍ مُستعرةٍ مع نفسها، ومع عبيدها ومع سكَّانها الأصليين. وتدريجيّاً تحولَّت إلى دولة على شاكلةِ الاستعمارِ الأوروبيِّ، عندما احتلت فيتنام وأفغانستان، ثم العراق.. وذلك بعكس النَّموذج الذي حلم به جفرسون. كما مارست الإدارات الأمريكية المتعاقبة في حق البلدان الأخرى، ما كان قد آخذه جفرسون على الفرنسيين في عهد نابوليون، بمحاولتهم «فرض مفهومهم الخاص للحرية على جيرانهم، وعلى البلدان والشعوب الأخرى».
كما أنَّ المبادئَ الأربعة عشر المُعلنة من الرئيس ولسون، في مطلع العام 1918 من أجل السّلام، قد ألهمت بناءَ الاتحاد الأوروبي الرَّاهنِ، أكثر مما أثّرت في سياسات وتوجهات الولايات المتحدة الأمريكية. إذ لم يعد لتلك المبادئ المتعلقة بالحريات «حرية التفكير والتعبير والتجارة والمعتقد وتقرير المصير ومقاومة المحتلين الخ»، أي أهمية كبرى عندما تتحرك القوات الأمريكية في الخارج، حيث يبدأ الغزو والاحتلال وإسقاط الدُّول والأنظمة أمراً مشروعاً، بالتناقض مع مبادئ الحريةِ وشِرعةِ الحقوق والمبادئ التي كافحت البشرية من أجلها على امتداد القرون الماضيةِ.
إن القيم التي تمثل الرأسمال الرَّمزي للولايات المتحدة الأمريكية، يا صديقي، والتي تعلن بأنها تُدافع عنها، كـالحرية والديمقراطية، تدخل في تناقض مرير مع العديد من الممارسات التي شهدها العالم خلال العقود الماضية. ولا حاجة هنا إلى استعراضها، لأنها معلومة تماماً، من هيروشيما ونكازاكي، إلى فيتنام، وصولاً إلى بو غريب العراق وغوانتنامو كوبا... بل إنها صبغت القانون الدولي بصبغة أمريكية، وأصبحت الشرعية الدولية مجرد صدى لصوت البيت الأبيض، وأصبح يتعين على دول العالم مراعاة مصلحة أمريكا أولاً، إن أرادت أن تبقى سالمة، وإلا فإنها تكون معرضة إلى جميع أشكال العقوبات والتهديدات والغضب المفضي إلى السقوط أو الحصار.
إنَّ وراء العواصف المعلنة، والغبار الكثيف الذي نشهده حالياً، عوارض لاتساع المسافة بين الشعارات والتصرفات. ولذلك يتزايد اليوم حتى عدد الأمريكان الذين بدؤوا يعون بأن العصر الأمريكي الذهبي الذي كانت فيه أمريكا تدعم حق الشعوب في تقرير المصير والحريات والوقوف إلى جانب الحق والقانون الدولي، قد بدأ يتلاشى.