قال الصديق:
يبدو أن أحلام جيلنا التي عشناها عاش في سبعينيات القرن الماضي في الحرية والوحدة والتقدم والنهضة قد تبخرت وها أننا نلوك الخيبة وراء الخيبة.
قلت للصديق:
للأسف الفكرة العربية كرابطة وكمحرك قد تآكلت وأصبح النكوص عن الثوابت الجامعة هو القاعدة والإطار الحاكم للأفعال وردود الأفعال. وتطور تدريجياً ليتحول إلى شعور متعاظم بإخفاق المشروع العربي النهضوي، أو بلوغه طريقاً مسدودة. والأسباب العميقة لهذا الانتكاس معلومة ولا داعي لاستعراضها من حروب وكوارث وفساد واستبداد.. والأسوأ من ذلك هو انكسار الحلم: فقبل أكثر من نصف قرن من الزمن العربي كنا نحلم أن البلاد العربية، سوف تصبح بعد عقدين أو ثلاثة وطناً واحداً، كالولايات المتحدة الأمريكية، أو كفرنسا أو ألمانيا. وكنا نتصور أنه في زمن غير بعيد ستصبح أراضي السودان كافية لتغطية حاجات العرب الغذائية، وأن مصر ستكون أكبر إقليم للصناعات الثقيلة، وأن بلاد الشام سيكون أكبر إقليم منتج للسيارات، وأن إقليمنا الخليجي العربي سيصبح أضخم إقليم ينتج الحواسيب وأجهزة التلفزيون والتليفون، وإقليمنا العربي سيكون قادراً على تغطية حاجاتنا العربية من الملابس والكتب المدرسية، وأن فلسطين العائدة إلينا سوف تكون أكبر منتج للعطور والشعر والموسيقى والأفلام. ولكننا كبرنا وكبرت الغصة في القلوب، فشهدنا مواكب التقهقر تتوالد إلى ما لا نهاية. والأعوام تمر كشريط كاسيت، عندما وصلنا إلى نهايته وجدناه واقفاً لا يتحرك ووجدنا الجهاز معطوباً، والكهرباء لم تصل بعد إلى أكثر من نصف القرى العربية. وأن الفقر وحده قد نما واتسع. والفكر التنويري قد تقهقر. والغوغائية اتسعت، والتفاهة نشرت ألواحها على قارعة الطريق.
قاطعني الصديق:
ألا ترى في كل هذا مبالغة، فكأنك لا تلمس ما يحدث في العالم العربي من تطور ونمو؟
قلت: كلامك صحيح، لقد تطور الوطن العربي، فأصبح يُسمى الشرق الأوسط، والسودان انقسم إلى دولتين، وأكثر من دولة عربية أصبحت مصنفةً كدول فاشلة مهيئة للتقسيم. ونادي الفشل، ما يزال مفتوحاً لفوضى السلاح والتقسيم العرقي والطائفي والديني، وسط تراجع المعيارين الوطني والقومي.
قال:
وكأنك لا ترى بارقة نور في نهاية النفق؟
قلت:
الأمل يظل موجوداً على الدوام، والأحلام تتجدد، ولكنها لا يمكن أن تنتقل إلى أرض الواقع طالما أننا تعاني من فصام الأقوال والأفعال: نردد أفضل الأقوال نمارس أسوأ الأفعال، نستعيض بالكلام عن الفعل. فمن يستمع إلى خطبنا ويقرأ كلماتنا ويافطاتنا وشعاراتنا، يتهيأ له أننا مجتمع إنساني فاضل ومثالي. نتكلم عن الأخوة الإنسانية، وعن المودة والرحمة، والمساواة والعدل والرأفة والتسامح والتضامن.. ولكننا بمجرد الانتقال إلى الفعل يصبح كلامنا خارج سرب النوايا. وتصبح أفعالنا بعيدة عن مرجعياتنا القيمية والروحية. فتتسع الفجوة ويضيع الفعل. وتلك قصة أخرى تضاف إلى قصصنا العربية العديدة. ونسأل الله حسن العاقبة.
يبدو أن أحلام جيلنا التي عشناها عاش في سبعينيات القرن الماضي في الحرية والوحدة والتقدم والنهضة قد تبخرت وها أننا نلوك الخيبة وراء الخيبة.
قلت للصديق:
للأسف الفكرة العربية كرابطة وكمحرك قد تآكلت وأصبح النكوص عن الثوابت الجامعة هو القاعدة والإطار الحاكم للأفعال وردود الأفعال. وتطور تدريجياً ليتحول إلى شعور متعاظم بإخفاق المشروع العربي النهضوي، أو بلوغه طريقاً مسدودة. والأسباب العميقة لهذا الانتكاس معلومة ولا داعي لاستعراضها من حروب وكوارث وفساد واستبداد.. والأسوأ من ذلك هو انكسار الحلم: فقبل أكثر من نصف قرن من الزمن العربي كنا نحلم أن البلاد العربية، سوف تصبح بعد عقدين أو ثلاثة وطناً واحداً، كالولايات المتحدة الأمريكية، أو كفرنسا أو ألمانيا. وكنا نتصور أنه في زمن غير بعيد ستصبح أراضي السودان كافية لتغطية حاجات العرب الغذائية، وأن مصر ستكون أكبر إقليم للصناعات الثقيلة، وأن بلاد الشام سيكون أكبر إقليم منتج للسيارات، وأن إقليمنا الخليجي العربي سيصبح أضخم إقليم ينتج الحواسيب وأجهزة التلفزيون والتليفون، وإقليمنا العربي سيكون قادراً على تغطية حاجاتنا العربية من الملابس والكتب المدرسية، وأن فلسطين العائدة إلينا سوف تكون أكبر منتج للعطور والشعر والموسيقى والأفلام. ولكننا كبرنا وكبرت الغصة في القلوب، فشهدنا مواكب التقهقر تتوالد إلى ما لا نهاية. والأعوام تمر كشريط كاسيت، عندما وصلنا إلى نهايته وجدناه واقفاً لا يتحرك ووجدنا الجهاز معطوباً، والكهرباء لم تصل بعد إلى أكثر من نصف القرى العربية. وأن الفقر وحده قد نما واتسع. والفكر التنويري قد تقهقر. والغوغائية اتسعت، والتفاهة نشرت ألواحها على قارعة الطريق.
قاطعني الصديق:
ألا ترى في كل هذا مبالغة، فكأنك لا تلمس ما يحدث في العالم العربي من تطور ونمو؟
قلت: كلامك صحيح، لقد تطور الوطن العربي، فأصبح يُسمى الشرق الأوسط، والسودان انقسم إلى دولتين، وأكثر من دولة عربية أصبحت مصنفةً كدول فاشلة مهيئة للتقسيم. ونادي الفشل، ما يزال مفتوحاً لفوضى السلاح والتقسيم العرقي والطائفي والديني، وسط تراجع المعيارين الوطني والقومي.
قال:
وكأنك لا ترى بارقة نور في نهاية النفق؟
قلت:
الأمل يظل موجوداً على الدوام، والأحلام تتجدد، ولكنها لا يمكن أن تنتقل إلى أرض الواقع طالما أننا تعاني من فصام الأقوال والأفعال: نردد أفضل الأقوال نمارس أسوأ الأفعال، نستعيض بالكلام عن الفعل. فمن يستمع إلى خطبنا ويقرأ كلماتنا ويافطاتنا وشعاراتنا، يتهيأ له أننا مجتمع إنساني فاضل ومثالي. نتكلم عن الأخوة الإنسانية، وعن المودة والرحمة، والمساواة والعدل والرأفة والتسامح والتضامن.. ولكننا بمجرد الانتقال إلى الفعل يصبح كلامنا خارج سرب النوايا. وتصبح أفعالنا بعيدة عن مرجعياتنا القيمية والروحية. فتتسع الفجوة ويضيع الفعل. وتلك قصة أخرى تضاف إلى قصصنا العربية العديدة. ونسأل الله حسن العاقبة.