أعادني الصديق إلى المربع الأول من الحزن الذي أحاول تجاوزه من دون جدوى، عندما نقل لي خبر رحيل الأستاذ والصديق والزميل العزيز خليفة الحوطي رحمه الله، بعد سنوات من المعاناة، قائلاً:
«يبدو أن الموت المجاني يخبط خبط عشواء، على حد قول زهير بن أبي سلمى:
رَأَيْتُ الْمَنايا خَبطَ عشواءَ من تُصب
تُمِتْهُ وَمَنْ تُخطئ يُعَمَّرْ فَيَهْرَم
قلت للصديق: هو الموت هكذا كما شاءه الله أن يكون نهاية محتومة. فنحن في هذه الحياة عابرو سبيل، ننتظر الرحلة القادمة، ولكننا لا نعلم أيَّان اليوم والسَّاعة. ولذلك قد لا نشعر أننا سنموت في زحمة الحياة وزيفها وخداعها، بالرغم من علمنا بأننا ميتون لا محالة. ولكن هنالك من المؤمنين الممتلئين بقوة الارتباط بالله، يتهيؤون للرحيل كل يوم، من دون عناء أو خوف، والأستاذ خليفة الحوطي واحد من هؤلاء القلائل الذين تفيض أرواحهم بنعمة الإيمان العميق، دائم الابتسام حتى وهو في أوج العلة وقلة الحيلة أمام أقدار الله، وحتى وهو على فراش الرحيل الأخير. فبدلاً من أن يهزمه الموت، فقد هزمه هو منذ زمن بعيد. أستذكر أيامنا في المدرسة وفي وزارة التربية والتعليم، مع أستاذنا العزيز خليفة الشوملي ونخبة من التربويين الحقيقيين المخلصين بعمق للتربية وللبحرين ونجاحها في سباق الأمم. كان تربوياً مثالياً. وفي جميع المراكز والمناصب ظل الحوطي تربوياً من فئة الرجال الذين لا يمكن تعويضهم، ليس لما يمتلكه من الكفاءة والمهارات القيادية والمعرفة التربوية العميقة فحسب، بل لأنه ظل إنساناً متواضعاً بسيطاً محباً للخير، لا يظلم، لا يتكبر، يدقق على عمله قبل أن يدققه الآخرون. يراجع كل صغيرة وكبيرة بنفسه، يتألم لما قد يحل بالآخرين من ألم يمد يد العون كلما اقتضى الأمر ولا يتردد.
لقد أحببت هذا الرجل وأعتقد أنه أحبني وقدرته كما قدرني ووثقت فيه كما وثق بي. سنوات عديدة نتحدث نتشاور، ونختلف، ولكننا نفترق ونحن أكثر قرباً وأشد ألفة ومحبة وثقة في المستقبل. واليوم يغادرنا الحوطي المربي والإنسان رحمة الله عليه راضياً مرضياً بإذن الله، ولكن ابتسامته في مواجهة قدر الله وقضائه لن تغادر هذه الأرض أبداً..
قال الصديق: إنه موت جديد لصديق وزميل ورفيق درب من التربويين القلائل الذين سخروا حياتهم لخدمة هذا البلد الطيب.
قلت: مع كل ذلك، تجتاحني ضروب الأسى إزاء الفرص المهدورة في حياة تنقضي هكذا، ويتساقط من حولنا من بقي من أحبتنا على الأرض، فيتملكني الحزن ويغمرني إحساس مرير بالخيبة، والألم. ولكني أشعر أحياناً أن الحرمان من هذه الحياة نفسه ليس شراً كله، حتى كأن الموت نعمة، لأنه فيه مفارقة لهذا العالم المليء بالشرور والجبروت والكذب والهراء والتفاهة والجري وراء المنافع الزائلة.
«يبدو أن الموت المجاني يخبط خبط عشواء، على حد قول زهير بن أبي سلمى:
رَأَيْتُ الْمَنايا خَبطَ عشواءَ من تُصب
تُمِتْهُ وَمَنْ تُخطئ يُعَمَّرْ فَيَهْرَم
قلت للصديق: هو الموت هكذا كما شاءه الله أن يكون نهاية محتومة. فنحن في هذه الحياة عابرو سبيل، ننتظر الرحلة القادمة، ولكننا لا نعلم أيَّان اليوم والسَّاعة. ولذلك قد لا نشعر أننا سنموت في زحمة الحياة وزيفها وخداعها، بالرغم من علمنا بأننا ميتون لا محالة. ولكن هنالك من المؤمنين الممتلئين بقوة الارتباط بالله، يتهيؤون للرحيل كل يوم، من دون عناء أو خوف، والأستاذ خليفة الحوطي واحد من هؤلاء القلائل الذين تفيض أرواحهم بنعمة الإيمان العميق، دائم الابتسام حتى وهو في أوج العلة وقلة الحيلة أمام أقدار الله، وحتى وهو على فراش الرحيل الأخير. فبدلاً من أن يهزمه الموت، فقد هزمه هو منذ زمن بعيد. أستذكر أيامنا في المدرسة وفي وزارة التربية والتعليم، مع أستاذنا العزيز خليفة الشوملي ونخبة من التربويين الحقيقيين المخلصين بعمق للتربية وللبحرين ونجاحها في سباق الأمم. كان تربوياً مثالياً. وفي جميع المراكز والمناصب ظل الحوطي تربوياً من فئة الرجال الذين لا يمكن تعويضهم، ليس لما يمتلكه من الكفاءة والمهارات القيادية والمعرفة التربوية العميقة فحسب، بل لأنه ظل إنساناً متواضعاً بسيطاً محباً للخير، لا يظلم، لا يتكبر، يدقق على عمله قبل أن يدققه الآخرون. يراجع كل صغيرة وكبيرة بنفسه، يتألم لما قد يحل بالآخرين من ألم يمد يد العون كلما اقتضى الأمر ولا يتردد.
لقد أحببت هذا الرجل وأعتقد أنه أحبني وقدرته كما قدرني ووثقت فيه كما وثق بي. سنوات عديدة نتحدث نتشاور، ونختلف، ولكننا نفترق ونحن أكثر قرباً وأشد ألفة ومحبة وثقة في المستقبل. واليوم يغادرنا الحوطي المربي والإنسان رحمة الله عليه راضياً مرضياً بإذن الله، ولكن ابتسامته في مواجهة قدر الله وقضائه لن تغادر هذه الأرض أبداً..
قال الصديق: إنه موت جديد لصديق وزميل ورفيق درب من التربويين القلائل الذين سخروا حياتهم لخدمة هذا البلد الطيب.
قلت: مع كل ذلك، تجتاحني ضروب الأسى إزاء الفرص المهدورة في حياة تنقضي هكذا، ويتساقط من حولنا من بقي من أحبتنا على الأرض، فيتملكني الحزن ويغمرني إحساس مرير بالخيبة، والألم. ولكني أشعر أحياناً أن الحرمان من هذه الحياة نفسه ليس شراً كله، حتى كأن الموت نعمة، لأنه فيه مفارقة لهذا العالم المليء بالشرور والجبروت والكذب والهراء والتفاهة والجري وراء المنافع الزائلة.