تعد الثقافة السمعية ورديفتها الثقافة الشفهية بالتبعية، أقدم أشكال الثقافات منذ بدء الخليقة. إذ لم تعرف البشرية الكتابة والقراءة على ما هي عليه اليوم. وكما تصف المصادر الثقافية فإن، الحكواتي، كان يقوم بدور مهم في نشر المعرفة والثقافة عبر جلسات الحكي وسرد القصص المتنوعة التي كان يستمدها من تجوالاته الشخصية أو ممن يلتقي بهم. والسمات التي تميز الثقافة السمعية أن المعلومة فيها غير موثوقة، ومتعددة الروايات، وقابلة للزيادة والنقصان، وتتداخل فيها الأخبار ببعضها، إلا أنها الأكثر تأثيراً على العاطفة، والأقوى في بناء المخيال الشعبي والصورة الجمعية عن الذات والآخرين والحياة.
تقاس درجة تحضر المجتمعات وتقدمها بتطور أساليب المعرفة فيها، وذلك بانخفاض نسبة الأمية وانتشار التعليم العالي وأدوات التقنية والتكنولوجيا الموصلة للمعرفة. وهذه الوسائل غيّرت في مسار تفكير البشرية وأدخلتها في حقب متعددة من التحولات الثقافية والفكرية. وبرغم أنها لم تتمكن من مقارعة الثقافة السمعية في كثير من المجتمعات إلا أنها حسّنت إلى حد ملحوظ من طغيان التأثير السمعي الكلّي على مجمل القضايا. ويرى بعض الباحثين أن التأثير الذي تحدثه برامج الإذاعة والتلفزيون ومشاهير «السوشيال ميديا» هي صورة متحوّلة لصورة الثقافة السمعية البدائية. إذ يعتمد المتلقي في معرفته على ما يشاهده من برامج وتحليلات وصور ووثائقيات تبث على الشاشات، ومن «سرد وثرثرات» لفئة المشاهير، دون أن يتكلّف المتلقي بالتدقيق في المعلومات والآراء وتحليلها وموازنتها مع ما يخالفها. إنها عودة متحضّرة للتلقّي الشفاهي والتسليم بأدوات التأثير التي تطورت من عهد الحكواتي إلى عصر الرقمنة.
والثقافة السمعية لا تكتسب دلالتها من كونها وسيلة معرفة، بل تكتسب دلالتها من ذاتها هي، من كونها ثقافة عامة أو شكلاً مميزاً لثقافة ما تحافظ على ثباتها واستقرارها واستمرارية توارثها بين الأجيال. لذلك فإن كثيراً من المسائل التي بلغتنا عبر القرون ولا دليل عليها، يصعب مناقشة موضوعيتها ومصداقيتها ويرفض إخضاعها للبحث والتحليل العلمي، مما يجعل القديم حاضراً دائماً، ومما يدخل المجتمعات في تناقضات صارخة بين حالة التحضّر والتقدم وتوفر أساليب المعرفة المعاصرة والآنية، وبقاء الأفكار القديمة المحكية واستمراريتها في التأثير على الأفراد وتحكّمها في اتخاذ قراراتهم أحياناً. وبذلك تكون المسألة ليست، في الغالب، مسألة تطور علمي وتوفر أدوات معرفة. المسألة هي مسألة قناعات ومصادر معرفة ونمط تفكير. تلك هي المؤثرات التي تجعنا نبدي آراء في قضايا كثيرة، ثم نقف جامدين أمام قضايا أخرى.
تقاس درجة تحضر المجتمعات وتقدمها بتطور أساليب المعرفة فيها، وذلك بانخفاض نسبة الأمية وانتشار التعليم العالي وأدوات التقنية والتكنولوجيا الموصلة للمعرفة. وهذه الوسائل غيّرت في مسار تفكير البشرية وأدخلتها في حقب متعددة من التحولات الثقافية والفكرية. وبرغم أنها لم تتمكن من مقارعة الثقافة السمعية في كثير من المجتمعات إلا أنها حسّنت إلى حد ملحوظ من طغيان التأثير السمعي الكلّي على مجمل القضايا. ويرى بعض الباحثين أن التأثير الذي تحدثه برامج الإذاعة والتلفزيون ومشاهير «السوشيال ميديا» هي صورة متحوّلة لصورة الثقافة السمعية البدائية. إذ يعتمد المتلقي في معرفته على ما يشاهده من برامج وتحليلات وصور ووثائقيات تبث على الشاشات، ومن «سرد وثرثرات» لفئة المشاهير، دون أن يتكلّف المتلقي بالتدقيق في المعلومات والآراء وتحليلها وموازنتها مع ما يخالفها. إنها عودة متحضّرة للتلقّي الشفاهي والتسليم بأدوات التأثير التي تطورت من عهد الحكواتي إلى عصر الرقمنة.
والثقافة السمعية لا تكتسب دلالتها من كونها وسيلة معرفة، بل تكتسب دلالتها من ذاتها هي، من كونها ثقافة عامة أو شكلاً مميزاً لثقافة ما تحافظ على ثباتها واستقرارها واستمرارية توارثها بين الأجيال. لذلك فإن كثيراً من المسائل التي بلغتنا عبر القرون ولا دليل عليها، يصعب مناقشة موضوعيتها ومصداقيتها ويرفض إخضاعها للبحث والتحليل العلمي، مما يجعل القديم حاضراً دائماً، ومما يدخل المجتمعات في تناقضات صارخة بين حالة التحضّر والتقدم وتوفر أساليب المعرفة المعاصرة والآنية، وبقاء الأفكار القديمة المحكية واستمراريتها في التأثير على الأفراد وتحكّمها في اتخاذ قراراتهم أحياناً. وبذلك تكون المسألة ليست، في الغالب، مسألة تطور علمي وتوفر أدوات معرفة. المسألة هي مسألة قناعات ومصادر معرفة ونمط تفكير. تلك هي المؤثرات التي تجعنا نبدي آراء في قضايا كثيرة، ثم نقف جامدين أمام قضايا أخرى.