أتابع بعض ما ينشر على أنه أدب تحت عنوان «نصوص»، فأجد نفسي أمام كتابة من دون مضمون ومن دون جمال أو إبداع إلى درجة الوصول إلى نقطة الغياب، لذلك لا يعود الكاتب يخاف من أي شيء حتى من النقد، لأنه لا يقول شيئاً تقريباً. ونجد أنفسنا أمام الدرجة الصفر من الكتابة، لكن ليس بالمعنى الذي ذهب إليه رولان بارت، ولكن بمعنى اللامعنى عن قصد أو عن غير قصد، مما يدفعنا نلوذ بصمت التفاهة.
ما درجنا عليه وما تعلمناه يبدو أنه قد انتهى، في سياق اللامعنى السائح في الأرجاء. فالكتابة لم تعد تضعنا إزاء الأسلوب، أسلوب الكتاب كما يحيا حياته، وكما يطيب له أن يحياها، ولم تعد حقل استعادة لكل ما كان من جراحات ومدارات وتهويمات وتقلبات ومطارحات وذكريات.. ولم تعد الكتابة، كما درجنا عليها، ورقا وقلما وعيني امرأة وكتيبة من الأعداء وحضور اشتهاء أو غياب اشتهاء. لم تعد الكتابة تتطلب بعض التراب لإنشاء بيت أو قبر أو منفى، لنكتب ونعلق ما نكتبه على شاهد قبر أو على جذع شجرة زيتون قديمة.
لم تعد كما كانت رسماً لمسالك الهرب، والإقامة خارج الذاكرة، حيث لا توجد ذاكرة، لذلك كنا نردد دوماً: «ما أصعب الكتابة»، عندما يضعنا الفعل «كتب» مباشرةً أمام الفعل «كبت» في اللاوعي اللغوي العربي الذي جعل الفرق بين المفردتين مجرد بعثرة حروف، لتكون لحظة الكتابة لحظة استرجاع وتملك وافتكاك وتهريب إلى الخارج لما تستبطئه الذات.
أما القراءة فهي كتابة تمتهن التأويل والتأويل مجتث من مباحث الخروج من بؤرة الفهم. فهي قد تكون من اليمين إلى اليسار. من فوق إلى تحت من اليسار إلى اليمين، من الداخل إلى الخارج ومن القريب إلى الغريب من السطح إلى العمق. المهم أن تبقى كتابة. والمهم أن يحيا فيها المعنى.
إن القراءة والكتابة يبقيان على اتصال بالمؤسسات أيضاً. فإن تفكر الخطاب يعني أن تكون إزاء التقاطع بين الذات والمؤسسة وبين المؤسسة والخطاب وبين الخطاب والسلطة وذاك شرط بقائها جميعاً. ففعل القراءة وفعل الكتابة مجتمعان يصنعان الفكر والتفكير فهو مشروعية القراءة والكتابة والخطاب، ولكن ما جدوى البحث في تفاهة الكلمات عن معنى قد يكون في الختام تافهاً مادامت الحقيقة وكل حقيقة حتى الموثوق بها وثوقاً علمياً هي دائماً ظرفية ومادام الخطاب حول الخطاب يتحدث اليوم عن انهيار الأيديولوجيا.
ولذلك ها نحن اليوم نستهلك اللامعنى ونستمتع به: المقال الذي يتعين عليك كتابته بلغة عربية إسلامية، والأفكار التي يقع الاستيلاء عليها في وضح النهار، والنقاد الذين ينزعجون من النقد. والمقالات التي لا فرق بين أن تقرأها أو ألا تقرأها، جميعها وجوه من اللامعنى.
ما درجنا عليه وما تعلمناه يبدو أنه قد انتهى، في سياق اللامعنى السائح في الأرجاء. فالكتابة لم تعد تضعنا إزاء الأسلوب، أسلوب الكتاب كما يحيا حياته، وكما يطيب له أن يحياها، ولم تعد حقل استعادة لكل ما كان من جراحات ومدارات وتهويمات وتقلبات ومطارحات وذكريات.. ولم تعد الكتابة، كما درجنا عليها، ورقا وقلما وعيني امرأة وكتيبة من الأعداء وحضور اشتهاء أو غياب اشتهاء. لم تعد الكتابة تتطلب بعض التراب لإنشاء بيت أو قبر أو منفى، لنكتب ونعلق ما نكتبه على شاهد قبر أو على جذع شجرة زيتون قديمة.
لم تعد كما كانت رسماً لمسالك الهرب، والإقامة خارج الذاكرة، حيث لا توجد ذاكرة، لذلك كنا نردد دوماً: «ما أصعب الكتابة»، عندما يضعنا الفعل «كتب» مباشرةً أمام الفعل «كبت» في اللاوعي اللغوي العربي الذي جعل الفرق بين المفردتين مجرد بعثرة حروف، لتكون لحظة الكتابة لحظة استرجاع وتملك وافتكاك وتهريب إلى الخارج لما تستبطئه الذات.
أما القراءة فهي كتابة تمتهن التأويل والتأويل مجتث من مباحث الخروج من بؤرة الفهم. فهي قد تكون من اليمين إلى اليسار. من فوق إلى تحت من اليسار إلى اليمين، من الداخل إلى الخارج ومن القريب إلى الغريب من السطح إلى العمق. المهم أن تبقى كتابة. والمهم أن يحيا فيها المعنى.
إن القراءة والكتابة يبقيان على اتصال بالمؤسسات أيضاً. فإن تفكر الخطاب يعني أن تكون إزاء التقاطع بين الذات والمؤسسة وبين المؤسسة والخطاب وبين الخطاب والسلطة وذاك شرط بقائها جميعاً. ففعل القراءة وفعل الكتابة مجتمعان يصنعان الفكر والتفكير فهو مشروعية القراءة والكتابة والخطاب، ولكن ما جدوى البحث في تفاهة الكلمات عن معنى قد يكون في الختام تافهاً مادامت الحقيقة وكل حقيقة حتى الموثوق بها وثوقاً علمياً هي دائماً ظرفية ومادام الخطاب حول الخطاب يتحدث اليوم عن انهيار الأيديولوجيا.
ولذلك ها نحن اليوم نستهلك اللامعنى ونستمتع به: المقال الذي يتعين عليك كتابته بلغة عربية إسلامية، والأفكار التي يقع الاستيلاء عليها في وضح النهار، والنقاد الذين ينزعجون من النقد. والمقالات التي لا فرق بين أن تقرأها أو ألا تقرأها، جميعها وجوه من اللامعنى.