بخصوص مقابلة السفير الأمريكي ستيفن بوندي مع الزميلة النشطة جداً تمام أبوصافي، فإني أعتبرها مقابلة هامة، والأهم أنها إيجابية جداً بمجملها، بما فيها الشق المتعلق بالأمن الإقليمي.
العلاقات الأمريكية البحرينية واحدة من العلاقات الهامة التي تؤطر سياسة البحرين الخارجية، فالبحرين تحدد مساراتها وفقاً لمصالحها وثوابتها، ومع الولايات المتحدة الأمريكية هناك مصالح مشتركة عديدة هي التي تحكم هذه العلاقة، تقوى وتضعف حسب اقترابها أو ابتعادها عما يحقق مصالحنا وما يحفظ سيادتنا، وفي إجمالي قصتنا مع الولايات المتحدة سارت الأمور دوماً على ما يرام منذ عقود مضت إلى اليوم، إذا استثنينا حقبة أوباما التي انحرفت فيها سياسة الولايات المتحدة وأسست منعطفاً خطيراً أحدث شرخاً كبيراً في تلك العلاقة.
ودعني أنبه هنا إلى الشرخ الذي حدث، إنه لم يكن بين إدارة أمريكية ونظام حاكم، بل كان بين إدارة أمريكية وشعب بحريني، هذه نقطة هامة لا يجب تجاوزها، خاصة والسيد بوندي يؤكد بين سطر وآخر على أن العلاقة بين الناس كأمريكيين وبحرينيين هي الأساس مهما تغيرت الإدارات.
ولا أعتقد أن هذه النقطة غائبة عن السيد بوندي وهو الذي عاصر فترة التحولات البحرينية وحقبة الإصلاح السياسي في أوائل حكم جلالة الملك المعظم، فقد كان يعمل في السفارة من عام 2004 إلى عام 2007، وشهد معنا حجم تلك التحولات التي أشادت بها هيلاري كلينتون عام 2010 ثم بلعت إشادتها وتناستها عام 2011.
هذه مقدمة فقط للتذكير بأن البحرين مواقفها ثابتة وراسخة لم تتغير، ومسيرتها الإصلاحية مستمرة، وتظل أيدينا كنظام وكشعوب ممتدة لكل من يمد يده سعياً لتحقيق المصالح المشتركة فيما بيننا.
نحن أبناء اليوم وما يحدد مسار العلاقة حسب المعطيات عام 2022 هي مدى اقترابها من مصالحنا المشتركة وابتعادها عن كل ما يمس تلك العلاقة، خاصة في التدخل في الشؤون الداخلية أو محاولات فرض قيم غريبة لا تتقبلها شعوبنا.
لهذا فإن التعاون الأمني يسير بشكل يحفظ للاثنين تلك المصالح، ومهم جداً أن يذكر السيد بوندي أن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في وجود الأسطول الأمريكي في البحرين لا تقل أهمية أبداً عن مصالح البحرين، فالندية هنا حاضرة لا معروف أو حسنات بيننا، بل هي المصالح كما قلنا «المشتركة»، وأضع سطرين تحت المشتركة.
أشاد سعادة السفير بالقرار الجريء للاتفاقية الإبراهيمية التي أقرها جلالة الملك حفظه الله، وأكد على نقطة هامة بهذا الشأن، بأن البحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة التي يكون فيها اليهود مواطنين بحرينيين ويتمتعون بكافة حقوق المواطنة شأنهم شأن أي بحريني آخر من أي ديانة كانت، نؤكد على ذلك ونزيد أن الاتفاقية كانت جزءاً من نسيجنا الاجتماعي والتاريخي الفطري حتى قبل أن توقع البحرين رسمياً عليها، وهذه من ثوابت السياسة البحرينية ومن ثمرات مظلة الحكم الخليفي الذي سنها منذ أكثر من قرنين من الزمان، لذلك وجدت الكنيسة ووجد الكنيس اليهودي جنباً إلى جنب المساجد السنية والشيعية منذ مائتي عام.
التعاون التجاري يحظى باهتمام كبير من سعادة السفير وهذه من الحسنات، لأنه عاصر حقبة وضع حجر الأساس لاتفاقية التجارة الحرة بين الاثنين ويعمل على زيادة حجم التبادل التجاري، ويسعدنا كما يسعده تحول كفة هذا الميزان لتحقيق فائض للصالح البحريني، ونتمنى أن يتعزز هذا التعاون وتزيد مساحته، فالعلاقة بين الناس والناس هي التي تبقى ثابتة مهما تغيرت الإدارات وتذبذبت سياستها.
البحرين بلد منفتح جداً ولله الحمد اجتماعياً، والمجتمع البحريني يسعد جداً بالالتقاء والتحاور والتبادل التجاري والثقافي والتعليمي، والشعب الأمريكي شعب طيب إلى أبعد الحدود ويتعاطى مع العالم هو الآخر بانفتاح تام، وهذه نقطة لابد من توظيفها لتعزيز العلاقة لإطلاع المواطن الأمريكي على حقيقة ما يحدث في هذا البلد وعمقه الحضاري والتاريخي.
يبقى الشق الإقليمي وخاصة المتعلق بإيران، من المفيد أن يكون سعادة السفير على اطلاع تام بالأنشطة الإيرانية الإرهابية في المنطقة بشكل عام، وفي البحرين بشكل خاص، طوال العشرين عاماً الماضية وهي فترة عمله في السفارة سابقاً كموظف وحالياً كسفير، فذلك يساعدنا على نقل حقيقة ما يجري ودور النظام الإيراني في تهديد الأمن العالمي بأسره وتهديد أمن البحرين باستمرار، وبالتأكيد هو على علم أن الأنشطة الإرهابية الإيرانية في البحرين لم ترتكب عبر هجمات نووية أو عبر صواريخ باليستية، بل عبر وكلاء وعملاء لإيران يحملون الجنسية البحرينية أرادوا ممارسة ذات الدور للوكلاء العراقيين واللبنانيين للصالح الإيراني، وهؤلاء العملاء شجعتهم السفارة الأمريكية يوماً ما وتعاونت معهم، بل إنها في أحيانٍ تجاوزت البروتوكولات الدبلوماسية الدولية في سبيل تقديم الدعم المطلوب لهم.
هذه دروس مررنا بها نأمل أن نتجاوزها ولا نكرر أخطاءنا حتى تظل هذه العلاقة قوية وممتدة لما فيه خير الشعبين الأمريكي والبحريني.
مع تمنياتنا لسعادة السفير طيب الإقامة في بلده الثاني البحرين.