«هنا لندن»، ذلك الإعلان المصحوب بصوت ساعة البيغ بن الشهيرة، الذي ترعرعت عليه أجيال متلاحقة سوف نفتقده في وقت قريب. إذ أعلنت الإذاعة البريطانية أنها ستغلق بعض قنواتها المسموعة مثل العربية والفارسية، لأسباب اقتصادية تتعلق بالتضخم والتراجع الاقتصادي. صاحب الخبر تغطيات إعلامية لتاريخ الإذاعة الأشهر عربياً وعالمياً. وسيل جارف من التعبير عن حزن وحنين يتخلق لمؤسسة، يمكن تصنيفها، بأنها إعلامية نخبوية وموضوعية حيادية يلجأ إليها العرب بحثاً عن الحقيقة بعيداً عن القنوات الرسمية. هذا ما تعبر عنه الدعاية «ضمنياً».
تأسست القناة العربية كأول قناة أجنبية تفتتحها هيئة الإذاعة البريطانية عام 1938، وجاء التأسيس رداً على هجوم الإذاعة الإيطالية الناطقة بالعربية «راديو باري» من ليبيا، التي تدعم الفاشية وتروج لأفكارها في المنطقة العربية، وتحرض ضد الاستعمار البريطاني للدول العربية. نشأت الإذاعة إذن في ذروة الحركة الكولونيالية في الوطن العربية. كانت بريطانيا بحاجة إلى صوت عربي يمرر مشروعها الاستعماري ويجمل احتلالها وتستخدمه كقوة ناعمة لأجندتها، وهذا ما عبر عنه اتجاه الإذاعة طوال تاريخها العربي. كانت الإذاعة صوت السياسة البريطانية تجاه المنطقة العربية.
ومن أطرف قصص تأسيس القسم العربي في الإذاعة البريطانية الجدال الشيق حول اختيار اللهجة العربية المناسبة للبث، بحيث يستسيغها جميع العرب. والظريف أن مقترح اللغة العربية الفصحى كان مستهجناً في البداية، إذ لم تكن نسبة التعليم جيدة في الوطن العربي، وسيؤدي استخدام لغة الكتب والعلوم الشرعية لإثارة الضحك والسخرية، لأنها لغة بعيدة عن الواقع ولا تستخدم في الحياة اليومية. وفي سياق مناقشة اللهجات العربية الممكن اختيارها لم تحظَ اللهجة المصرية ولا الشامية بالترشيح، إذ اعتبرت لهجات محلية شعبية تدعو للضحك. وكان الاختيار يسير تجاه اللهجة النجدية بصفتها تمثل الجذر الصوتي المشترك في أغلب اللهجات العربية، كما أن بساطتها ومحليتها تجعلها مقبولة ومفهومة لدى كثير من العرب. ولكن في النهاية استقرت الآراء على البث باللغة العربية الفصحى البسيطة البعيدة عن التكلف والتفلسف.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، وبريطانيا تغلق القسم العربي في إذاعتها، هل استغنت الأجندة البريطانية عن اللغة العربية المسموعة؟ الإجابة السريعة: لا، في ظل وجود المحطة الفضائية العربية لـ«BBC»، والموقع الإلكتروني وحسابات التواصل الاجتماعي. أما الإجابة التي تحتاج إلى تأنٍّ، فهي أولاً: تراجع الاهتمام بالإعلام المسموع، وثانياً: تراجع اهتمام العرب باستخدام اللغة العربية إعلامياً، مقارنة مع اللغة الإنجليزية. فإذا كانت الـ«BBC»، تتعامل مع جماهير تجيد اللغة الإنجليزية وتحتفي باستخدامها، فما حاجتها للإنفاق على اللغة العربية!!!
{{ article.visit_count }}
تأسست القناة العربية كأول قناة أجنبية تفتتحها هيئة الإذاعة البريطانية عام 1938، وجاء التأسيس رداً على هجوم الإذاعة الإيطالية الناطقة بالعربية «راديو باري» من ليبيا، التي تدعم الفاشية وتروج لأفكارها في المنطقة العربية، وتحرض ضد الاستعمار البريطاني للدول العربية. نشأت الإذاعة إذن في ذروة الحركة الكولونيالية في الوطن العربية. كانت بريطانيا بحاجة إلى صوت عربي يمرر مشروعها الاستعماري ويجمل احتلالها وتستخدمه كقوة ناعمة لأجندتها، وهذا ما عبر عنه اتجاه الإذاعة طوال تاريخها العربي. كانت الإذاعة صوت السياسة البريطانية تجاه المنطقة العربية.
ومن أطرف قصص تأسيس القسم العربي في الإذاعة البريطانية الجدال الشيق حول اختيار اللهجة العربية المناسبة للبث، بحيث يستسيغها جميع العرب. والظريف أن مقترح اللغة العربية الفصحى كان مستهجناً في البداية، إذ لم تكن نسبة التعليم جيدة في الوطن العربي، وسيؤدي استخدام لغة الكتب والعلوم الشرعية لإثارة الضحك والسخرية، لأنها لغة بعيدة عن الواقع ولا تستخدم في الحياة اليومية. وفي سياق مناقشة اللهجات العربية الممكن اختيارها لم تحظَ اللهجة المصرية ولا الشامية بالترشيح، إذ اعتبرت لهجات محلية شعبية تدعو للضحك. وكان الاختيار يسير تجاه اللهجة النجدية بصفتها تمثل الجذر الصوتي المشترك في أغلب اللهجات العربية، كما أن بساطتها ومحليتها تجعلها مقبولة ومفهومة لدى كثير من العرب. ولكن في النهاية استقرت الآراء على البث باللغة العربية الفصحى البسيطة البعيدة عن التكلف والتفلسف.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، وبريطانيا تغلق القسم العربي في إذاعتها، هل استغنت الأجندة البريطانية عن اللغة العربية المسموعة؟ الإجابة السريعة: لا، في ظل وجود المحطة الفضائية العربية لـ«BBC»، والموقع الإلكتروني وحسابات التواصل الاجتماعي. أما الإجابة التي تحتاج إلى تأنٍّ، فهي أولاً: تراجع الاهتمام بالإعلام المسموع، وثانياً: تراجع اهتمام العرب باستخدام اللغة العربية إعلامياً، مقارنة مع اللغة الإنجليزية. فإذا كانت الـ«BBC»، تتعامل مع جماهير تجيد اللغة الإنجليزية وتحتفي باستخدامها، فما حاجتها للإنفاق على اللغة العربية!!!