ماذا تعني هذه المشاركة الواسعة بالأمس في العملية الانتخابية؟ ماذا تعني الطوابير التي اصطفت قبل أن تفتح مراكز الاقتراع؟ تعني أن هناك إيماناً بأن لا طريق إلا للأمام، لا إصلاح إلا بالممارسة، لا تقدّم إلا من خلال العمل، لا من خلال إدارة الظهر وانتظار أن تكتمل التجربة، نحن نكملها باستمراريتها.

ماذا يعني ذلك التنظيم الراقي وذلك التفاني في تقديم الخدمات وتلك السلاسة والسهولة واليسر في مساعدة الناس على ممارسة حقوقهم؟ يعني باختصار النجاح الساحق الماحق أيّاً كانت نسبة المشاركة بالرغم من أنني أتوقع أنها لن تقل أبداً عن 60% حتى السادسة مساء وقت كتابة هذا المقال، وباقٍ على قفل الصناديق ساعتان، هذا من خلال رصد انطباعات العديد من الزملاء الإعلاميين كثّر الله خيرهم والمراقبين.

يا للمفارقة! فشل ذريع لجماعة إيران الداعية لمقاطعة الانتخابات في البحرين يوم أمس السبت تزامناً مع فشل الإخوان بالدعوة للنزول والتظاهر ضد النظام في مصر يوم الجمعة، ألا ترون ما الذي يجمعهم؟ الجواب هو «تكرار الفشل» لأنهم لا يتعلمون ويكابرون ويظنون أن نفس الخلطة الفاشلة ستعطي طعماً مختلفاً.. ألا ما أغباهم!

البحرين فازت أمس بوقوفها صفاً واحداً، جسداً واحداً يقول لمشروع جلالة الملك حفظه الله «تم».

البحرين فازت بوحدتها، البحرين فازت بتماسكها، البحرين فازت بوعي شعبها وبإدراكه أنَّ له حقّاً ولا يجب التخلي عنه أو التفريط به، وأنَّ أيَّ تجربة لا بد لها من أن تتطور إذا تمكنت من الاستمرارية والاستفادة من أخطائها.

البحرين ماضية كما هي مصر صخرة في وجه التفتيت وإسقاط الدول، ومن عطّل عجلة المشروع التآمري على المنطقة قبل عشر سنوات هم الذين عطلوها أيضاً هذه المرة، هم الشعب، هم الناس، هو الإدراك، هو الوعي.

التجربة البرلمانية في البحرين بحاجة لتراكم الخبرات؛ فهذا التراكم البنائي ضرورة من ضرورات التطوير، لا يمكن أن تتحقق إلا بالاستمرار والبناء على ما تمّ، وهذا ما يحدث عندما نُصرّ على ممارسة الحق، حتى وإن كانت المخرجات دون الطموحات، قد نخطئ في الاختيار، إنما حتماً مع الوقت سيقوى هذا العود الذي أضعفوه وكسروه ألف مرة حين دخلوا بغاية الهدم لا بغاية البناء.

اليوم نحن نعيد البناء ونكمل المسيرة، تجارب الشعوب تقاس بالعقود، وتراكم التجارب يحتاج إلى سلسلة متصلة لا تتقطع ويعاد تركيبها من جديد في كل مرة.

نعم، الصلاحيات الرقابية ليست بالقوة التي نتمناها، لكننا نحتاج إلى أن نتعلم كيف نمسك بزمام تلك الأدوات، كيف نبني التحالفات، كيف نناور، كيف نفاوض، ومتى وأين نتعاون مع بقية السلطات، كل ذلك بحاجة لاستمرارية دون أن نحبط أو نيأس.

غيرنا امتلك أدوات رقابية أقوى بكثير منا لكنه هو الآخر أساء استخدامها، ولم تعد عليه بالنفع، وتكرر الحل، وتكررت البدايات ولم تعط الفرصة لبناء التجارب التراكمية الضرورية للتطوير، المسألة ليست في امتلاك الأداة فحسب، بل في التدرب والتمرس على استخدامها.

صفوف المواطنين بالأمس في مراكز الانتخابات كانت دليلاً على أن هذه القناعة هي السائدة لدى المجتمع البحريني، وأن الإصرار على الاستمرار وإكمال المسيرة هو الحل، وهو الأمل الأكبر في الإصلاح، وهذا هو عين العقل.

مارسنا حقنا، واصطحبنا أطفالنا، وعلمناهم أن هذا هو المستقبل، وهذا هو البناء، والقادم أجمل بإذن الله، وألف مبروك للبحرين.