أعلن المذيعُ العربيُّ:
«والآن أيُّها السّادة والسيدات، سأقرأُ عليكم لكم خبراً يُفترضُ أن يهتزّ له كلُّ مواطنٍ عربيٍّ!».
أثار المذيعُ المسكينُ شفقتِي، لأنه لايزال يظنُّ أن هناك أخباراً يمكن أن يهتزَّ لها العربِيُّ، بعد كلّ الذي حدثَ في حياتهِ من مآسٍ ومهازلٍ ونكوصٍ عن الثوابتِ. أو يمكن أن يتفاعل معها العربيُّ المتكئ على جدارٍ منهارٍ.
الاهتزازُ وردُّ الفعلِ علامتا حياةٍ، قبل دخولنا عصر الاسترخاءِ والاستقالةِ والغيبوبةِ.. أما اليوم فالشِّعارُ الأثيرُ هو: «لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم، لا أقرأ وأفهم. فإذا كان رأسي سالماً، فما لي وما للآخرين؟».
كان المواطنُ العربيُّ يهتزُّ، وينفعلُ وقد يغضبُ، عندما يتعلق الأمرُ بمصيرِ الأمَّةِ ومستقبلِها، أما اليومَ فإن إيثارَ السّلامةِ قد غلبَ عليهِ، والاستكانة صارت القاعدةَ، ولذلك فإن المذيعَ المسكينَ الذي كان ينتظرُ من المواطن العربيِّ أن يهتزَّ للخبر الذي كان بصدد الإعلان عنه، كان يعيش، في الواقعِ، خارج السِّياق، في عصرٍ غير عصرهِ، خارجَ المرحلةِ، بين أسوار الوهمِ، لأنه لا يعرفُ ما يشغل بال المواطنِ العربيِّ حالياً: فلا القضايا القومية المصيرية مازالت تهمُّه كثيراً أو تلفت انتباههُ، أو تهزُّ مشاعرَه، لا شيء تقريباً لايزال يثيرُه أو يهزُّ ضميرهُ، إلا ما يتعلق بحالته المعيشية في الغالب الأعمِّ.
المهمُّ أن الخبرَ الذي توقَّعَ المذيعُ أن يَهزَّ المستمعَ العربيَّ له هو أن «عدد الأميين في البلدان العربية قد تجاوز 120 مليون أميٍّ من الذين يجهلون تماماً الكتابة والقراءة.. وأنَّ نسبة الأمية بين الإناث في عدد من البلدان العربية تتراوح بين 60% و80%..»، هذا طبعاً إذا التزمنا بتعريف اليونسكو للأميِّ بأنه «كل شخص لا يجيد القراءة والكتابة»، مع أن الشخصَ قد يجيدُ القراءةَ والكتابةَ، من دون فهمٍ لما يقرأ أو يكتبُ. وبالتالي لا يستطيع أن يؤديَ دورهَ بفعاليةٍ في المجتمعِ، فما بالك بامتلاك القدرةِ على توظيفِ هذه القدرات البسيطة في خدمة نمائهِ الشخصيِّ أو المشاركة في الحياة العامة بفعالية.
إن الذي غاب عن ذهنِ المذيعِ، وهو يعبرُ عن استغرابهِ من هذا العددِ الكبيرِ من الأميين، هو أنّ هذه النسبة المرتفعة لا يبدو أنها تستفزُّ العديدَ من المعنيين في البلادِ العربيةِ، الذين قد لا يرون فيها مشكلاً كبيراً. بل ولا يعتبرونها عقبةً من العقباتِ التي تواجهُ التَّنميةَ الاجتماعيةَ والاقتصاديةَ، كما قد لا يعتبرونها مظهراً من مظاهرِ التَّخلّفِ الإنسانيِّ.
إنّ الخبرَ الذي أعلنهُ المذيعُ يحملُ بالضَّرورة النَّفيَ الكاملَ لتوقّعاته.. فأمة فيها مثل هذه النسب العاليةِ من الأميين الذين لا يكتبون ولا يقرؤون ولا يفهون ما يقرؤون، من حقها ألا تهتزّ لمثل هذه الأخبارِ، لأنها مصابةٌ بما يشبهُ الشَّللَ النِّصفيَّ. ونسألُ اللهَ حسنَ العاقبةِ.
«والآن أيُّها السّادة والسيدات، سأقرأُ عليكم لكم خبراً يُفترضُ أن يهتزّ له كلُّ مواطنٍ عربيٍّ!».
أثار المذيعُ المسكينُ شفقتِي، لأنه لايزال يظنُّ أن هناك أخباراً يمكن أن يهتزَّ لها العربِيُّ، بعد كلّ الذي حدثَ في حياتهِ من مآسٍ ومهازلٍ ونكوصٍ عن الثوابتِ. أو يمكن أن يتفاعل معها العربيُّ المتكئ على جدارٍ منهارٍ.
الاهتزازُ وردُّ الفعلِ علامتا حياةٍ، قبل دخولنا عصر الاسترخاءِ والاستقالةِ والغيبوبةِ.. أما اليوم فالشِّعارُ الأثيرُ هو: «لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم، لا أقرأ وأفهم. فإذا كان رأسي سالماً، فما لي وما للآخرين؟».
كان المواطنُ العربيُّ يهتزُّ، وينفعلُ وقد يغضبُ، عندما يتعلق الأمرُ بمصيرِ الأمَّةِ ومستقبلِها، أما اليومَ فإن إيثارَ السّلامةِ قد غلبَ عليهِ، والاستكانة صارت القاعدةَ، ولذلك فإن المذيعَ المسكينَ الذي كان ينتظرُ من المواطن العربيِّ أن يهتزَّ للخبر الذي كان بصدد الإعلان عنه، كان يعيش، في الواقعِ، خارج السِّياق، في عصرٍ غير عصرهِ، خارجَ المرحلةِ، بين أسوار الوهمِ، لأنه لا يعرفُ ما يشغل بال المواطنِ العربيِّ حالياً: فلا القضايا القومية المصيرية مازالت تهمُّه كثيراً أو تلفت انتباههُ، أو تهزُّ مشاعرَه، لا شيء تقريباً لايزال يثيرُه أو يهزُّ ضميرهُ، إلا ما يتعلق بحالته المعيشية في الغالب الأعمِّ.
المهمُّ أن الخبرَ الذي توقَّعَ المذيعُ أن يَهزَّ المستمعَ العربيَّ له هو أن «عدد الأميين في البلدان العربية قد تجاوز 120 مليون أميٍّ من الذين يجهلون تماماً الكتابة والقراءة.. وأنَّ نسبة الأمية بين الإناث في عدد من البلدان العربية تتراوح بين 60% و80%..»، هذا طبعاً إذا التزمنا بتعريف اليونسكو للأميِّ بأنه «كل شخص لا يجيد القراءة والكتابة»، مع أن الشخصَ قد يجيدُ القراءةَ والكتابةَ، من دون فهمٍ لما يقرأ أو يكتبُ. وبالتالي لا يستطيع أن يؤديَ دورهَ بفعاليةٍ في المجتمعِ، فما بالك بامتلاك القدرةِ على توظيفِ هذه القدرات البسيطة في خدمة نمائهِ الشخصيِّ أو المشاركة في الحياة العامة بفعالية.
إن الذي غاب عن ذهنِ المذيعِ، وهو يعبرُ عن استغرابهِ من هذا العددِ الكبيرِ من الأميين، هو أنّ هذه النسبة المرتفعة لا يبدو أنها تستفزُّ العديدَ من المعنيين في البلادِ العربيةِ، الذين قد لا يرون فيها مشكلاً كبيراً. بل ولا يعتبرونها عقبةً من العقباتِ التي تواجهُ التَّنميةَ الاجتماعيةَ والاقتصاديةَ، كما قد لا يعتبرونها مظهراً من مظاهرِ التَّخلّفِ الإنسانيِّ.
إنّ الخبرَ الذي أعلنهُ المذيعُ يحملُ بالضَّرورة النَّفيَ الكاملَ لتوقّعاته.. فأمة فيها مثل هذه النسب العاليةِ من الأميين الذين لا يكتبون ولا يقرؤون ولا يفهون ما يقرؤون، من حقها ألا تهتزّ لمثل هذه الأخبارِ، لأنها مصابةٌ بما يشبهُ الشَّللَ النِّصفيَّ. ونسألُ اللهَ حسنَ العاقبةِ.