يحتار المرء من أين يبدأ، وعمَّ يتكلم، وكيف يسرد الدروس ويعبر عن مشاعره وأحاسيسه بل وآلامه.
هناك العديد من الكوارث والعوارض التي مرت علينا أو على الأقل مرت في سنوات أعمارنا، ولكنَّ حدثاً مثل حدث زلزل تركيا وسوريا يستحق أن نقف أمامه وقفات كثيرة، ونتأمل الحال والمآل، وهو حدث رباني فيه إشارات عديدة يستلزم علينا أن نقف أمامها ونتعظ منها.
منذ اللحظات الأولى للزلزال اعتقدنا أن الأمر «هيّن»، وهو زلزال كغيره من الزلازل، فيه خسائر ولربما تكون بسيطة.
ومع مرور الوقت وحتى كتابة هذا المقال اكتشفنا أن الأمر جلل، فقد تغيرت تركيبة مساحات كبيرة، وماتت عوائل بأكملها في تقدير أوّلي لعدد الأموات يصل إلى أكثر من 16 ألفاً، وهناك توقعات بأن تصل إلى أكثر من 80 ألفاً في ظل الظروف الجوية القاسية التي تعطل من عمليات الإغاثة وانتشال الجثث.
هي بضع ثوان فقط كانت الفيصل في تغيير الظروف وانقلابها وتغير كل شيء، والناس حينها على فرشهم نيام في أمن وأمان.
ولكنها مشيئة الله عز وجل الغالبة وقضاؤه وقدره، فحينها لا حيلة للبشر سوى التسليم لأمر الله سبحانه وتعالى والإيمان بالقضاء والقدر وتعليم الأجيال هذا الركن العظيم الذي يجعل المرء يسلم أمره كله لله تعالى وفي جميع أمور حياته، فلا يعلم المرء ماذا ينتظره في الغيب، ولا يعلم ماذا ستؤول إليه الأمور بعد لحظات بل في هذه اللحظة بالذات.
إنه زلزال غيّر مجرى الحياة بأكملها، ومن لم يتعظ به فعليه أن يراجع نفسه.
نعم يراجع نفسه فالنفس الغافلة في هذه الحياة تسير في دروب مخيفة لا تتعظ بما يدور حولها!!
إنه زلزال أرجعنا إلى نفوسنا وإلى أهمية شكر الله تعالى على نعمه الكثيرة والتي نعيشها ونتنفسها في أيام حياتنا، على الأقل في اللحظات الآنية التي نعيشها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يوم، فكأنما حيزت له الدنيا».
فالتفكر والتأمل في أحوال الحياة يعطي المرء القوة والصلابة النفسية التي يستطيع من خلالها أن يتعامل مع ظروف الحياة المختلفة.
إنه زلزال يدفعنا لتجديد إيماننا والتسليم لأمر الله سبحانه وتعالى، فهو الإيمان الذي يجب أن يتجدد دائماً مع غفلة الحياة وسرعة انقضاء الأيام وانشغال الناس بأمور كدهم وحياتهم المعيشية.
زلزال «إيماني» بكل ما تعنيه الكلمة من معنى يجعلنا نراجع العديد من حساباتنا في الحياة، سواء تلك المرتبطة باستثمار الأوقات، أو الإنفاق المالي، أو التشارك العاطفي مع أولئك الذي يتجرعون الآلام ويفقدون أبسط مقومات العيش الكريم، هناك في الخيام والأجواء الباردة.
زلزال يذكرنا بأحوال يوم القيامة: «إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها».
يقول أحد الناجين من سوريا: «لما بدأ الزلزال تريثت قليلاً قبل الخروج، قلت قد تكون هزة خفيفة كالعادة، لكن بدأت تزداد قوة، خرجت من غرفتي لأوقظ أهلي من النوم ووجدتهم أمامي، تجمعنا عند الباب الذي استعصى على الفتح لعدة ثوان كانت طويلة جداً، ركضنا على الدرج وكان أشبه بمركب تتلاطمه الأمواج، وصلنا إلى الحديقة المجاورة للبيت ولا تزال الأرض تهتز تحتنا، ظلال ومطر وبرد شديد وبكاء الأطفال الصغار وحتى الكثير من الكبار كانوا يبكون، كان منظراً يبعث على الرعب والذهول، وبدأ والدي والكثيرون يرتلون سورة الزلزلة «يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم».
بالفعل كان الناس أشتاتاً هائمين على وجوههم ولا يزالون، ولا حول ولا قوة إلا بالله».
هي قصة واحدة فقط من آلاف القصص التي قد نجدها بين ركام الزلزال، ولكن في نهاية المطاف، والحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع «أن الأمر كله لله».
ومضة أمل
آن الأوان لأن نكون على أتم الاستعداد لجميع أقدار الحياة، ونجمل أوقاتنا بالعمل الصالح والقرب من الله تعالى.