هذه ظاهرة مثيرة لي، عقدان من الزمان وأنا متابع لها، وفي كل مرة أبحث عن أمثلة تكسر معادلة وضعتها شخصيّاً، أقول فيها: «إن كنت تريد معرفة معدن أي شخص، فقط أجلسه على كرسي».
هذا «الكرسي» الغريب والعجيب، الذي غالباً ما تؤثر مغرياته ومزاياه على «معادن» كثير من البشر، فترى الشخص ينقلب إلى آخر بمجرد تقلده أي منصب كان، إلا القليل والنادر من البشر، وهؤلاء من ندعو الله ألا يقلل أعدادهم.
ليس انتقاصاً من أي شخص يتقلد منصباً، سواء حكومياً أو نيابياً أو شورياً أو في أي موقع كان أو أي مجال. بل القول إن هناك «فيروساً خفياً» موجوداً في كل كرسي، يصيب صاحبه بآثار مؤكدة خطيرة.
واستدراكاً نسأل: كيف يؤثر الكرسي وهو جماد لا يتحدث ولا يفعل شيئاً؟!
هو أخطر «جماد» يمكن أن تصادفه، يضعك على محك حقيقي تتحدى به مبادئك وقناعاتك، بل قد يجرفك لتتحول إلى شخص آخر. والسر كله في «التأثير» الذي يفرضه عليك بحكم عوامل عديدة أهمها الصلاحيات والنفوذ وسلطة اتخاذ القرار وتبعية الأفراد لك.
لن أختبركم بأي سؤال، لكن لكم أن تتساءلوا مع أنفسكم بحكم تجاربكم وخبراتكم: كم شخصاً تعرفونه «تغير» تماماً بعد توليه أي منصب كان؟!
صدقوني ستجدون أرقاماً كثيرة، بل ستستغربون من تغير أنماط سلوكية، لربما كان الشخص نفسه يستنكرها سابقاً، لكنه اليوم يقوم بها ويمارسها، وهذه طبيعة بشرية؛ لأن الإنسان يضعف بديهياً أمام السلطة والقوة والنفوذ، وأضيفوا إلى ذلك لو ابتلي بموظفين أو أناس يعملون تحت إمرته، يقومون بالتعظيم والتفخيم وإلباسه لباس الغرور والسطوة وغيرها.
هنا القوي في عزيمته والثابت على إنسانيته ومبادئه وعدالته يبرز، في المقابل تجد الضعيف في كل ما سبق وبالأخص هش المبادئ هو المنجرف وراء هذه الأمور، ويعيش الدور ويتحول إلى إنسان آخر تماماً.
تجده سابقاً يزور مجلس أصدقائه بكل بساطة وتواضع، وبعد المنصب يفاجئهم بالدخول مرتديا «البشت»! ولست أبالغ فلقد حصلت. تجده سابقاً ينزل من سيارته كأي بشر عادي، لكن اليوم هو مستعد للانتظار دقائق حتى ينزل السائق ويفتح له الباب! تجده سابقاً يتحدث مع الجميع بأريحية، لكنه اليوم لا يستطيع حتى «الجن الأزرق» الدخول عليه في المكتب إلا بعد مواعيد واستئذانات وغيرها من إجراءات! بل لا يمكن إلا لفئات محدودة وضئيلة الحديث معه أو التجرؤ على الاتصال به.
هو تأثير الكرسي للأسف، هذا التأثير الذي حذر منه عميد الإدارة الدكتور رفيع القامة غازي القصيبي رحمه الله، وكتبت فيه كثيراً ناصحاً، إلى درجة ضربه أمثلة عديدة، أحدها حينما استمات أحدهم لدعوته على العشاء حينما كان وزيراً، إذ رد عليه الدكتور القصيبي بالموافقة، لكنه قال له: «خذ معك الكرسي بدلاً عني، إذ دعوتك للعشاء موجهة له وليس لي كشخص»!
في النهاية نقول: «لو خليت خربت»، إذ لو بحثتم ستجدون نماذج مشرفة لمسؤولين نجحوا في «ترويض» الكرسي ولم يتأثروا به، ومارسوا عملهم وحياتهم كبشر طبيعيين بلا فوارق أو امتيازات أو تغير في المواقف والمبادئ والتعامل. في مقابل أعداد كثيرة ظنت أنها باتت في «أبراج عاجية» لكن الحقيقة أنها ضحية للكرسي الذي «افترسها»!
{{ article.visit_count }}
هذا «الكرسي» الغريب والعجيب، الذي غالباً ما تؤثر مغرياته ومزاياه على «معادن» كثير من البشر، فترى الشخص ينقلب إلى آخر بمجرد تقلده أي منصب كان، إلا القليل والنادر من البشر، وهؤلاء من ندعو الله ألا يقلل أعدادهم.
ليس انتقاصاً من أي شخص يتقلد منصباً، سواء حكومياً أو نيابياً أو شورياً أو في أي موقع كان أو أي مجال. بل القول إن هناك «فيروساً خفياً» موجوداً في كل كرسي، يصيب صاحبه بآثار مؤكدة خطيرة.
واستدراكاً نسأل: كيف يؤثر الكرسي وهو جماد لا يتحدث ولا يفعل شيئاً؟!
هو أخطر «جماد» يمكن أن تصادفه، يضعك على محك حقيقي تتحدى به مبادئك وقناعاتك، بل قد يجرفك لتتحول إلى شخص آخر. والسر كله في «التأثير» الذي يفرضه عليك بحكم عوامل عديدة أهمها الصلاحيات والنفوذ وسلطة اتخاذ القرار وتبعية الأفراد لك.
لن أختبركم بأي سؤال، لكن لكم أن تتساءلوا مع أنفسكم بحكم تجاربكم وخبراتكم: كم شخصاً تعرفونه «تغير» تماماً بعد توليه أي منصب كان؟!
صدقوني ستجدون أرقاماً كثيرة، بل ستستغربون من تغير أنماط سلوكية، لربما كان الشخص نفسه يستنكرها سابقاً، لكنه اليوم يقوم بها ويمارسها، وهذه طبيعة بشرية؛ لأن الإنسان يضعف بديهياً أمام السلطة والقوة والنفوذ، وأضيفوا إلى ذلك لو ابتلي بموظفين أو أناس يعملون تحت إمرته، يقومون بالتعظيم والتفخيم وإلباسه لباس الغرور والسطوة وغيرها.
هنا القوي في عزيمته والثابت على إنسانيته ومبادئه وعدالته يبرز، في المقابل تجد الضعيف في كل ما سبق وبالأخص هش المبادئ هو المنجرف وراء هذه الأمور، ويعيش الدور ويتحول إلى إنسان آخر تماماً.
تجده سابقاً يزور مجلس أصدقائه بكل بساطة وتواضع، وبعد المنصب يفاجئهم بالدخول مرتديا «البشت»! ولست أبالغ فلقد حصلت. تجده سابقاً ينزل من سيارته كأي بشر عادي، لكن اليوم هو مستعد للانتظار دقائق حتى ينزل السائق ويفتح له الباب! تجده سابقاً يتحدث مع الجميع بأريحية، لكنه اليوم لا يستطيع حتى «الجن الأزرق» الدخول عليه في المكتب إلا بعد مواعيد واستئذانات وغيرها من إجراءات! بل لا يمكن إلا لفئات محدودة وضئيلة الحديث معه أو التجرؤ على الاتصال به.
هو تأثير الكرسي للأسف، هذا التأثير الذي حذر منه عميد الإدارة الدكتور رفيع القامة غازي القصيبي رحمه الله، وكتبت فيه كثيراً ناصحاً، إلى درجة ضربه أمثلة عديدة، أحدها حينما استمات أحدهم لدعوته على العشاء حينما كان وزيراً، إذ رد عليه الدكتور القصيبي بالموافقة، لكنه قال له: «خذ معك الكرسي بدلاً عني، إذ دعوتك للعشاء موجهة له وليس لي كشخص»!
في النهاية نقول: «لو خليت خربت»، إذ لو بحثتم ستجدون نماذج مشرفة لمسؤولين نجحوا في «ترويض» الكرسي ولم يتأثروا به، ومارسوا عملهم وحياتهم كبشر طبيعيين بلا فوارق أو امتيازات أو تغير في المواقف والمبادئ والتعامل. في مقابل أعداد كثيرة ظنت أنها باتت في «أبراج عاجية» لكن الحقيقة أنها ضحية للكرسي الذي «افترسها»!