في مقالته «وداعاً رمضان» يطرح المرحوم غازي القصيبي مجموعة من التساؤلات، حيث يقول «أي هدف من أهداف الصيام الربانية يتحقق في رمضان الجديد؟ أي «تقوى» يمكن أن يحس بها شخص يلهث متلظماً من حسناء في مسلسل إلى حسناء في مسلسل؟ أي شعور بمعاناة الفقير يحس بها صائم يأكل في ليلة واحدة ما يكفي قريةً أفريقية بأكملها؟ أي صحة يمكن أن تجيء من التهام واثب لأطعمة تقود إلى مختلف أنواع المرض؟».أحسب أن تساؤلات المرحوم القصيبي أصبحت اليوم أكثر إلحاحاً وحاجة لإجابات جادة وحقيقية، خصوصاً وأنها طرحت قبل تغول عالم «السوشيال ميديا» في كل تفاصيل حياتنا اليومية، حتى أصبحنا مجرد «ربوتات» تدار بـ«ريموت كنترول»، من أشخاص لا نعرفهم ولا يشبهوننا، ولا حتى نعرف أهدافهم ونواياهم.رمضان ما بعد «السوشيال ميديا» تحول إلى مجرد سيرك للمنافسة في أشكال الطعام والملابس والسهرات، لم نعد نعرف عن أهلنا وجيراننا إلا عبر ما ينشرونه على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت كل محادثاتنا «أون لاين»، حيث فقدنا دفئ العائلة والإحساس بالآخر.فبعد أن كنا نتشارك فعلياً مع الجيران أطباقنا الرمضانية المختلفة، أصبحنا اليوم نشاركهم إياها من خلال صور على مواقع التواصل، ليقتصر تفاعلهم وإعجابهم بها عبر «لايك» أو «إيموجي» مبتسم بملامح لا تشبهنا أبداً. منذ سنوات؛ حولنا الإعلام إلى مجرد آلات مستهلكة لكل ما يبث عبر الفضائيات، لتأتي «السوشيال ميديا»، وكأن ما أصابنا لا يكفي، لتقضي على آخر ما علق بذاكرتنا من نفحات إيمانية وأجواء روحانية وبركات ربانية، فأصبحت ملابس الفنانات ونوعية المكياج أكثر أهمية من التواصل مع الأهل، وسخافة بعض البرامج مقدمة على بر الوالدين والأقربين، والمسابقات المعلبة والمفبركة أكثر جذباً من جلسة عائلية مع الأهل والأصدقاء.الإعلام، قديمه وحديثه، حوّل رمضان الرحمة والألفة والتآخي إلى منصة لاستعراض التبذير والتباهي، وأغرقنا في دوامة من الكذب والنفاق، حتى فقدنا القيم الحقيقية، والهدف الأسمى لهذا الشهر الفضيل.المؤسف؛ أننا قد ساهمنا بجهلنا في تعزيز صورة جديدة عن رمضان لا تمت بصلة له، ونقوم بنقلها للأجيال القادمة، والذي أصبحوا شيئاً فشيئاً يتعايشون مع رمضان الجديد، رمضان الإعلام والسوشيال ميديا، دون أن يعرفوا شيئاً عن حقيقة هذا الشهر الكريم وفضائله، إلا من خلال ما يتابعونه عبر شاشات التلفزيون أو هواتفهم الذكية.إضاءةرغم كل ما أصاب الشهر الفضيل من تشويه؛ تبقى المجالس الرمضانية إحدى النقاط المضيئة التي نعيشها، حيث يجتمع الكبار والصغار لنقل التجارب والخبرات، كيف لا والسابقون قالوا «مجالسنا مدارسنا»، حيث يتعلم الجميع القيم والعادات العربية الأصيلة التي قام عليها المجتمع.