عندما أشرنا في مقالنا الفائت عن أحد شعارات برنامج «المنكوس» الذي تنظمه هيئة أبوظبي للتراث «صوتك وصوت أجدادك» والذي يكشف عن الرسالة العميقة الهامة التي يود البرنامج من خلال أرض الإمارات إيصالها للعالم الخارجي لابد أن نشير هنا إلى أن البرنامج كما كشف أعضاء لجنة التحكيم استطاع أن يتخطى محيط شبه الجزيرة العربية ويصل إلى الدول الخارجية كما أن البرنامج حظي بمشاركات من دول أجنبية كإيران وجورجيا مما يعني أن هدف البرنامج تحقق ووصل في إشاعة هذا النوع من الفنون الشعرية الطربية وجعلها متداولة لدى شعوب الدول الأخرى.
هناك حقيقة يجب تأكيدها وهي أنه في الماضي البعيد وتاريخياً كانت تعتبر العراق ومنطقة الشام العربي ككل جامعة الكتب والإصدارات الفكرية والشعرية للعرب وتضم مكتبات تاريخية ضخمة عن أبرز المؤلفات الورقية كما أن معظم المجالس والصالونات الثقافية فيها كانت تستقطب مبدعي العرب وكبار شعرائهم كما لعبت مصر دوراً ريادياً هاماً في إثراء الفكر العربي وإطلاق الإبداعات العربية للعالم الخارجي والتعريف بهم حيث كانت بمثابة المنصة والمسرح الكبير الذي من خلاله تتعرف على أبرز نجوم العالم العربي فيما يخص الشعر والطرب والأدب والمجالات الإبداعية فمن يريد الشهرة كان يتجه إلى مصر ومن خلال إذاعات ومحطات مصر التلفزيونية كان يعرف للجمهور العربي بكلمات أخرى كان العراق ومنطقة الشام ومصر عقل الوطن العربي الكبير والمكتبة الكبرى التي تحوي معظم المؤلفات والكتب الورقية فيما كانت المجالس الأدبية والثقافية فيها منصات الشهرة ومقصداً لكل شاعر ومبدع عربي من أي دولة خليجية وعربية.
واليوم ومع زمن التواصل الاجتماعي نرى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تنتهج منهجاً يواكب عصرنا الحالي والتغيير الحاصل في المشهد الإعلامي والثقافي حيث إنها تحتضن المؤلفات والإبداعات الشعرية والفكرية وتطلقها للعالم الخارجي بتوثيق يتم على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الحديثة الرقمية وكأنها في ذلك تجسد مقولة التاريخ العربي يعيد نفسه ولكن بنمط حديث متطور حيث تبنى جامعات ومكتبات إلكترونية وصرح ثقافي وشعري افتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي يخلد للتاريخ ويصل إلى الأجيال الناشئة والحديثة، المعروف أن سيكولوجية القراءة وثقافة المعرفة والاطلاع لديها مختلفة عن أجيال المؤلفات والكتب الورقية حيث إنها تفضل القراءة الإلكترونية والتصفح والتفاعل الإلكتروني مع التطبيقات والبرامج الرقمية ولعل هذا ما حذا بالقائمين على برنامج «المنكوس» إيجاد تطبيقات افتراضية لهذا النوع من الجمهور المهتم بالثقافة والأدب والشعر للتفاعل معها ولكي تصل موروثاتنا الشعرية والفكرية وتوثق وتؤرشف إلى جانب جعل أرض أبوظبي منبراً وصرحاً هاماً يجمع أبرز مبدعي ونجوم الشعر العربي من كافة الدول العربية وغير العربية ودليل ذلك أن الشريحة العمرية المشاركة في البرنامج وخلال أربعة مواسم للبرنامج مضت ضمت فئات عمرية تتراوح ما بين 18 و19 سنة كما أن في البرامج الشعرية الأخرى كان هناك شعراء مشاركون من دول أجنبية وخارج محيط الوطن العربي أي أن مبدأ ورسالة البرنامج في الوصول للأجيال الناشئة وتعريفها بالموروثات والفنون الشعرية لضمان استمراريتها وإعادة إحيائها ومنع اندثارها تحقق كما أن الوصول للعالمية والانتشار الإقليمي من خلال انتشارها على منصات التواصل الاجتماعي وتداولها عند أي مواطن في أي دولة في العالم تحقق ومن جهة أخرى بإمكان أن شخصاً مهتماً بالثقافة العربية والشعر العربي تحديداً الوصول إلى هذا المخزون الفكري والأدبي وتصفحه إلكترونياً من خلال المواقع والمنصات والحسابات الإلكترونية التي تدعمها وتطلقها هيئة أبوظبي للتراث وكأنه في ذلك يدخل إلى مكتبة إلكترونية رقمية ويتصفح ما يريده من إبداعات شعرية وثقافية، ختاماً شكراً لهيئة أبوظبي للتراث على هذا النهج الريادي في توثيق الشعر العربي إلكترونياً ورقمياً وتخليده للتاريخ وإتاحته لأجيال منصات التواصل الاجتماعي.