ودّعت البحرين أحد أبنائها المفكرين الذين تركوا بصمات مهمة في صفحات الفكر العربي، حيث غيب الموت أحد رواد الفكر العربي، ففي السادس والعشرين من شهر ديسمبر لعام 2024، استذكرت البحرين مناقب الكاتب والمفكر البحريني الراحل الدكتور محمد جابر الأنصاري، مستشار جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية، وأحد أبرز روّاد الحركة الفكرية والثقافية في مملكة البحرين، حيث رحل في هذا اليوم تاركاً ثروة فكرية وإرثاً ثقافياً.
ذلك الإرث الثقافي الذي كان ثمرة علم حصله منذ صغره فقد درس في مدرسة الهداية الخلفية، وقد كان زميل دراسة مع والدي عبداللطيف جناحي، حيث جمعهما حب العلم وتعلقهما بجني ثمار فكر ثري لجيل الخمسينات كالمنفلوطي، والعقاد، وكتب القومية العربية، بما تشمله من قضايا عربية كانت هي الشغل الشاغل لنخبة شباب هذا الجيل.
واصل الأنصاري مسيرته العلمية ليبني فكراً منفتحاً على العالم، فقد نال درجة الدكتوراه في الفكر العربي والإسلامي الحديث والمعاصر من الجامعة الأمريكية في بيروت، وشهادة في اللغة والحضارة الفرنسية من السوربون في فرنسا من هنا كان فكره منفتحاً على الثقافات المختلفة، ومن هنا عرف بأطروحاته التي تتميز ببعد النظر والقدرة على استشراف المستقبل، فلا زلت أذكر انه أول من قرع الجرس لضرورة مراجعة المناهج الدراسية التي تدرس في المدارس الخاصة وضرورة أن تكون مخرجات التعليم للمدارس الخاصة بحيث تحافظ على الهوية الثقافية، وكم كان يعتبر الحفاظ على اللغة العربية لدى خريجي المدارس الخاصة إشكالية ثقافية يجب التصدي لها، حينها كنت أعمل في إدارة المناهج كأخصائية في قسم اللغة العربية والتربية الإسلامية، في أواخر التسعينات، وفي ضوء أطروحاته التي طرحها للحفاظ على اللغة العربية بالمدارس الخاصة كُلفنا بتقييم المناهج ووضع تصورات لتعزيز اللغة العربية بتلك المدارس.، ومن هنا كان إلزام المدارس الخاصة بتدريس المواد الدراسية التي تعزز الهوية العربية لدى الطلبة مثل : اللغة عربية والتربية إسلامية والاجتماعيات ومادة حقوق الإنسان، لم تكن هذه الرواية سوى مثال واحد للأثر الذي تركة فكر الأنصاري على ثقافة مجتمعنا، فبصماته كبيرة، حقق من خلالها التغير الاجتماعي نحو الأفضل، وأطروحاته التي كان يطرحها من خلال العشرات من المؤلفات والمقالات الأدبية والفكرية المنشورة أسهمت في التغير الاجتماعي والحفاظ على الهوية العربية. ومن هنا استحق التقدير فقد حصل على جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عن كتابه "تحولات الفكر"، وجائزة الدولة التقديرية للإنتاج الفكري في البحرين، ووسام قادة مجلس التعاون في قمة مسقط.
لقد شغل عدة مناصب منها رئيس الإعلام وعضو مجلس الدولة بالبحرين (1969-1971)، وهو من مؤسسي أسرة الأدباء والكتاب وأول رئيس لها. كذلك، شارك في مجلس تأسيس معهد العالم العربي، وشغل منصب عميد كلية الدراسات العليا وأستاذ الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر بجامعة الخليج العربي، وكان عضواً في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في البحرين. وتميّزت أعمال الأنصاري بالقدرة على تقييم واقع الثقافة العربية، وإحداث التغير فيها، رحم الله فقيد البحرين المفكر المبدع الذي أضاف صفحات هامة في الحضارة العربية.