شابة لم تتزوج وتعيش مع والدتها المريضة أرادت الاستفادة من الامتيازات الإسكانية التي تُمنح للمواطنين البحرينيين، فقيل لها «آسفين لا تنطبق عليك المعايير».
لكنني بحاجة لبيت فأنا أسكن في بيت هو لورثة وأُعيل أُمّي وليس لي مكان من بعد أُمّي أطال الله في عمرها، فالأمر متروك بعد ذلك لتوافق الأُسرة كاملةً على إبقائي في المنزل، ولو بِيع هذا المنزل فحصّتي لا تشتري لي بيتاً، جاءها الجواب «آسفين لا تنطبق عليك المعايير».
والدتها تحتاج لرعاية دائمة سَمِعَتْ بقرار الخدمة المنزلية القاضي «بالعمل من المنزل» فقدَّمت طلباً، جاءتها الإجابة؟ «آسفين لا تنطبق عليك المعايير»، لِمَ وأنا على ثقة بأن عملي المكتبي ممكن أداؤه من أي موقع وقد جرّبنا ذلك أيام الجائحة ونجحت التجربة؟ وجاءتها الإجابة «آسفين العملية ليست كما تتصورين، الأمر بحاجة إلى تقييم كل عدة أشهر وإلى متابعة أداء مختلفة وإلى.. وإلى.. ومديروك غير متفرّغين لهذه المَهامّ الإضافية».
سمِعَتْ عن عروض شراء الخدمة والتقاعد فقدَّمَتْ بسرعة لتحظى بتلك الفُرصة، خاصةً وأنها تعرف أن هناك من تقدَّم لها في بعض الوزارات وحصلوا عليها، وجاءتها الإجابة «آسفين لا تنطبق عليك المعايير» لماذا؟ قيل لها لأننا لا نريد إلغاء وظيفتك وهذه من شروط الحصول على تلك الامتيازات.
كل شهر يُخصم من راتبها أكثر من 100 دينار بسبب التأخير وذلك بسبب بقائها في المنزل ورعايتها لوالدتها صباحاً رغم وجود الخادمة، لكنها لا تستطيع مغادرة المنزل قبل الاطمئنان على قيام الأُمّ ومساعدتها في تناول أدويتها وتأدية بقيّة احتياجاتها، فالأُمّ شبه مُقعدة.
والقصة الثانية:
رجلٌ لم يُكتب له الزواج وتقدَّم بالعمر وتجاوز الخمسين لكنه تكفَّل منذ خمسة عشر عاماً برعاية أبناء أخيه المُتوفَّى وهم صغار، لم يتمكّن من الحصول على خدمة إسكانية فلا تنطبق عليه المعايير، وأبناء أخيه لن يتمكّنوا من الحصول على مزايا التقاعد في حالة وفاته لأنهم ليسوا أبناءه، فلن تنطبق عليهم المعايير، رغم التزامه بدفع التزاماته تجاه الصندوق ورغم احتياجات أبناء أخيه الذين يُعيلهم من بعده خاصةً وهو مريض الآن ويخشى على أبناء أخيه من بعده.
زوجٌ تملك زوجته جزءاً صغيراً من منزل ورثة أُسرتها أراد أن يستفيد من مزايا الإسكان قيل له لا تنطبق عليك المعايير، لماذا؟ فلا زوجتي تستطيع أن تملك منزلاً ولا أنا أستطيع الآن بسبب هذه المعايير.
هذه النماذج وهناك غيرها ممن سقط من الحسبة -وهم استثناءات- لم يُخرَجوا من المعايير القانونية لكنهم أُخرجوا من روح القانون وغاياته، فكلّ قانون وكلّ إجراء قانوني وُضِعَ وله غايةٌ وهدفٌ ومسعى، ولم يكن سوى وسيلة لتحقيق تلك الغاية.
مشكلتنا أننا وضعنا القوانين وكأنها غاية وهدف بحدِّ ذاته وتمسّكنا بحرفيتها ظناً منا أننا نُحسن عملاً، وحين فوجئنا بنماذج خارج سياق التراتيب والتدابير القانونية وقفنا عاجزين عن ملامسة روح القانون وجوهره ونسينا غايته السامية، فلم نملك سوى هذه الإجابة السهلة الظالمة «آسفين لا تنطبق عليك المعايير».
يبدو ألا أحد يملك جُرأة اتخاذ موقف شجاع يُعيد للمعايير إنسانيتها فيكتفي بتبرئة ذمّته وإحالة القرار المجحف لـ«المعايير»، فأُلقي بتلك الشرائح خارج نطاق الامتيازات الوطنية رغم التزامها بواجباتها تجاه وطنها فقط، لأن الظروف حكمت عليها أن تكون خارج نطاق المعايير التي وضعها.