للعِلم، اقتصاد المشروعات الصغيرة والمتوسطة أخذت به دولٌ تُعتبر نموذجاً في النهوض والنموّ الاقتصادي ككوريا وسنغافورة وماليزيا، وكما قلنا في المقال الأخير تلك المشاريع تفتح بيوتاً وتتكفّل بكافة مصاريفها وتُقلّل عدد العاطلين في الأُسرة وتُحافظ على المدّخرات وتُقلّل الاعتماد على الحكومات وتخلق وظائف وتُحرّك السوق وتعمل على تدوير السيولة، إنّما يحتاج الأمر إلى أن يكون هناك قرارٌ يعتمد على هذه الأنشطة الاقتصادية، والأهم الأهم يعتمد على المراقبة والمتابعة والاستمرار.منذ ستينات القرن الماضي أولت كوريا الجنوبية اهتماماتها بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتأسّست العديد من المؤسّسات الداعمة لهذه المشروعات بهدف دعم التنمية المستدامة وتعزيز النموّ، حيث قدّمت الحكومة الكورية أكثر من 100 برنامج لدعم هذه المنشآت، وبذلك حقّقت نجاحاً باهراً، فطِبقاً لإحصاءات 2007، تُشكّل المشروعات الصغيرة والمتوسطة 99.9% من الشركات الكورية، وتوظِّف حوالي 88.4% من إجمالي القوى العاملة، وتُساهم في الناتج المحلّي الإجمالي إلى 48%، أمّا مساهمتها في إجمالي الصادرات فوصلت إلى 30.9% في 2010 «SMBA». وفي كوريا الجنوبية هناك وزارة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة.وتلعب المشروعات الصغيرة والمتوسطة في جميع المجالات دوراً كبيراً في الاقتصاد الماليزي، فهي تمثّل حوالي 99.2% من إجمالي المشروعات، وتُساهم بنسبة 32% من إجمالي الناتج المحلّي الإجمالي، وتوفّر 46.4% من فُرص العمل، ونحو 19% من إجمالي الصادرات. ويختلف مفهوم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في ماليزيا باختلاف النشاط الذي تُزاوله «خدمي، إنتاجي، صناعي، زراعي» «2008، SMIDEC».هذه الإحصاءات قديمة ونَمَتْ كثيراً خلال السنوات التي لحقت بها؛ ففي كوريا الجنوبية على سبيل المثال وصلت قيمة صادرات الشركات المتوسطة الحجم إلى 124 مليار دولار بزيادة بلغت نسبتها 11.8% خلال نفس الفترة، بينما زادت قيمة صادرات الشركات الصغيرة الحجم بنسبة 0.5% لتصل إلى 113.3 مليار دولار. «مايو 2023».للتذكير، نحن في البحرين بدأنا بدايةً قويةً كالعادة في بداية الألفية الثانية بتهيئة البنية التحتية لاقتصاد المشاريع الصغيرة والمتوسطة، هيَّأنا بيوت التمويل وهيَّأنا التدريب وأسّسنا الحاضنات وانطلقنا انطلاقةً جيدةً ثم.. وكالعادة أيضاً أرخينا الحبل وأُصيبت بيوت التمويل بِداء البيروقراطية واختلط الحابل بالنابل وماتت الحاضنات ودخل الأجانب على الخط ونافسوا البحريني منافسةً غير عادلة، وأفلس العديد من تلك المشاريع وخرجوا من السوق، والبقيّة تتصارع مع موجات التضخّم وبُطء النمو.ولا بد من المقارنة أحياناً، في الإمارات تقديم حزمة من الإعفاءات تمثّلت في الإعفاءات من رسوم التسجيل والرسوم الأُخرى، ورسوم التراخيص للسنوات الثلاث الأُولى من عُمر المشروع، وذلك بغرض دعم ريادة الأعمال، وتذليل الصِعاب ورفع مستوى الإنتاجية، ثم تمّ تمديد فترة الإعفاءات و«ليس فقط أثناء الجائحة».برامج المشتريات الحكومية من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث مكّنت مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشروعات الصغيرة أعضاءها في برنامج المشتريات الحكومية من الحصول على عقود المشتريات من الجهات الداعمة. الدروس المستفادة من تجربة الإمارات العربية المتحدة، الخلاصة أن دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة يتمّ من أعلى مستويات الدولة. فالمشاريع أو روّاد الأعمال الحاصلون على ختم مؤسسة محمد بن راشد هؤلاء لهم خطّ سريع لإجراء معاملاتهم وكثيراً ما تَدَخّل الشيخ محمد بن راشد بنفسه لتذليل عقبات أيّ شخص يتعطّل.وحين دعت أبوظبي وزيرة الشركات الصغيرة والمتوسطة الكورية حضر اللقاء روّادُ الأعمال الإماراتيون ولعبت الحكومة وسيطاً ناجحاً بين القطاعين الإماراتي والكوري، فعَقَد معالي عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد، اجتماعاً ثنائياً مع معالي لي يونغ وزيرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة في كوريا الجنوبية، لبحث تعزيز التعاون المشترك في تنمية ريادة الأعمال ودعم آفاق النموّ للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في أسواق البلدين. جاء ذلك خلال فعاليات «يوم الأعمال الكوري بالشرق الأوسط 2023»، والتي عُقِدتْ في مركز دبي التجاري العالمي على مدار يومي 12 و13 يونيو الجاري، وبحضور مجموعة واسعة من روّاد الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة والمستثمرين وحاضنات ومسرّعات الأعمال من البلدين.وحضر الاجتماع شاكر زينل، رئيس إدارة الأعمال المصرفية في مصرف الإمارات للتنمية، وإيمان بن شيبة، رئيسة قسم المشاركة المجتمعية في مركز الشارقة لريادة الأعمال «شراع»، وأحمد علوان، نائب الرئيس التنفيذي لـ«Hub71»، وريم عبدالله، مديرة النمو للشؤون الحكومية والاستراتيجية بـ«Hub71»، والشيخ الدكتور ماجد القاسمي، شريك ومؤسس شركة سوما ماتر.القصد من نقل الخبر أن الدولة فاتحة خطّاً مباشراً مع روّاد الأعمال ومع أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أعلى مستوى من أجل اتخاذ القرارات وتذليل العقبات، لَمْ يُترك القرار لِلِجان وموظفين لا يملكونه، هذا إذا كُنّا نُولي تعزيز وتنمية هذا القطاع وهذا الاقتصاد.