لا خير من غير شر، فحينما تبدأ فكرة عمل خيري يتم الاهتمام به في البداية وبعدها يتم إهماله من غير رعاية أو تطوير أوتنظيم، ويترك للمجادلة ما بين مؤيد ومعارض منها مشكلة حاويات جمع الملابس التي بدأت كفكرة إنسانية لمساعدة الفقراء والمحتاجين في عدد من الدول التي أخذت بهذه الفكرة فكان منها من اهتم وطور ووضع القوانين النظامية للعمل عليها وأفاد في الأعمال الخيرية والمشاريع الاقتصادية والتنموية فكانت الثروة من إعادة التدوير، ومنها من اهتم وأهمل فأصبحت فكرة عابر سبيل مخلفة وراءها مشكلات بيئية وصحية ومخالفات عمالية وقانونية.
حاويات جمع الملابس أو ما أطلق عليها حصالات الملابس التي طرحتها بعض المنظمات والجمعيات الخيرية، وعملت عليها هي فكرة إبداعية لمساندة ومساعدة المحتاجين من الفقراء انتشرت في مختلف مناطق ومدن بعض الدول العربية والآسيوية والأجنبية ومنها على سبيل المثال: الصين، وتركيا، والسعودية، والبحرين، والمغرب والتي حملت شعارات الجذب الإنساني ليتفاعل معها الكثير من الأفراد الذين لديهم ملابس فائضه هُجرت فلفضتها خزائنهم من زحمتها لعدم حاجتهم لها حيث صرعات الموضة التي تقُدم الملابس حتى لو كانت حديثة.
وفي ظل هذا الاهتمام الإنساني شرعت بعض الجهات والأفراد لتحول هذا العمل الإنساني إلى عمل غير مشروع وغير آمن من الناحية الصحية والبيئية لتكون هي العمالة السائبة غير النظامية المستفاد منها كمصدر رزق لها حيث لا رقيب ولا حسيب على هذه الثروة التي يقدمها المتبرعون يومياً في مملكة البحرين وغيرها.
ففي العام 2017 تم السماح للجمعيات الخيرية بوجود حاويات جمع الملابس في مملكة البحرين كنوع من التبرع العيني وفقاً للمادة 2 من المرسوم بقانون رقم 21 لسنة 2013 بشأن تنظيم جمع المال للأغراض العامة والتي تنص على أن يحظر على الأشخاص الطبيعية والاعتبارية جمع المال للأغراض العامة إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من الوزير وفقاً لأحكام هذا القانون» حيث يتم التقدم بطلب جمع التبرعات وذكر نوع الجمع العيني والغرض من الجمع بما يتناسب مع طرق التصرف بالتبرعات العينية المجموعة وبعد أخذ رأي الجهات المختصة حيث يمنح المنظمة بعد الموافقة لها ملصق يحتوي على جميع المعلومات اللازمة حول ترخيص جمع المال ووضعه على الحاوية مع ضرورة الالتزام بالقوانين والإجراءات المعمول بها، بجانب الالتزام بالتعميم الصادر من وزارة التنمية الاجتماعية والذي تضمن اقتصار وضع الحاويات عند مقار الجمعيات حفاظاً على المنظر العام وعلى سلامة المواطنين من الناحية الصحية والذي صدر بعد الانتشار العشوائي في المناطق حيث شكاوى المواطنين بتشويه المنظر العام وحجب الرؤية وهو المشهد القائم حتى الوقت الحاضر في كثير من المناطق وزوايا المنازل والذي أدى إلى انشقاق المتابعين لهذا التعميم مابين مؤيد ومعارض لوجود هذه الحاويات بالقرب من المنازل أو إزالتها.
وما بين المؤيد والمعارض لإزالة الحاويات من المناطق كان المستفيد «العمالة السائبة» و«سيارات الخردة المتجولة» التي لا تترك شاردة ولا واردة إلا واستفادت منها حيث النقطة العمياء التي توغلت من خلالها لتنقل هذه الملابس من الحاويات التي أهملت من الجهات المعنية أو الحاويات الوهمية التي قامت بوضعها هذه العمالة وأوهمت المتبرعين بملصقاتها الاجتهادية لتجمع الثروة المفقودة التي لا رقيب ولا حسيب عليها.
فلُب المشكلة يتمحور في تأييدنا للعمل الخيري والإنساني وتفاعلنا معه بكل حب وعطاء معززين أي فكر إبداعي يصب في هذا الاتجاه من منطلق الحكمة التي تقول: «أجرُه ولا هجرهُ» وفي المقابل من يستغل هذه الفرصة لتحوير هذا الهدف إلى أعمال غير مشروعة أو تنشيط للسوق السوداء أو تنمية قاعدة من الفساد، لذا كان القرار بوجود هذه الحاويات تحت مسؤوليات الجمعيات وأن تكون قريبة منها لإدارتها بالطريقة الصحيحة والسليمة.
ورغم ذلك لم نرَ يوماً بأن طالعتنا الصحف بنشر من قبل وزارة التنمية الاجتماعية أو البلديات أو المجلس البلدي أو حتى الجمعيات تبين آلية إدارة هذه الملابس التي تكب يومياً في هذه الحاويات؟ وطريقة فرزها وتصنيفها وتوزيعها ومن يقوم عليها ومن يستفيد منها ومن المسؤول عن رقابتها ومتابعتها والإشراف عليها وإداراتها لتحقيق الهدف والشعارات التي كتبت على هذه الحاويات؟ ولماذا انتشرت في كل منطقة وزاوية رغم التعميم الذي صدر بحظر انتشارها في أماكن غير مصرح لها من وزارة التنمية الاجتماعية؟، وكيف يتم الاستفادة منها بالطرق الصحيحة والسليمة؟ وما هي الإجراءات النظامية التي تعمل عليها الجهات المختصة من الناحية الصحية والاقتصادية والمالية والقانونية؟ ومن هم القائمون عليها؟؟؟
وهل من تشريعات قانونية تنظم هذا العمل الإنساني وهذه الإجراءات لعدم الدخول في مخالفات وأعمال غير مشروعة؟ ومن يدير العمالة السائبة وسيارات الخردة المتنقلة في الوقت الحالي ومن وراءهم؟.
اكتمال الصورة
جهود جبارة، ولكن نتمنى أن تكون هناك آلية للرقابة، كتحديد للأماكن التي تتواجد فيها هذه الحاويات لتشمل المحافظات، وتعميمها على المتبرعين بطريقة نظامية، وشروط صحية منظمة، وربط هذه الحاويات بجهاز آلي لمعرفة الملابس المدخلة والخارجة أو كاميرات مراقبة، وأجهزة إنذار تحذر من وجود معادن محظورة أو مواد ضارة، والإجابة على كل التساؤلات من قبل الجهات المعنية بهذا الخصوص حيث لن تكتمل الصورة إلا بوجود تشريعات قانونية تنظم هذا النوع من العمل الخيري وتراقب الثروات المفقودة.