ما زلت أتذكر قبل أكثر من ستين عاماً مدرسة الحد الجنوبية التي تقرب من سوق السمك واللحم الحالي، حيث كانت أولى خطواتنا ونحن صغاراً إلى مدرسة نظامية في منطقة مدينة الحد، وما زلت أتذكر المديرين الأوائل الذين تعاقبوا على إدارة المدرسة، ومنهم الأستاذ القدير يعقوب القوز والأستاذ الحكيم حسين محمد حسين، ومازلت أتذكر الأستاذ الرزين أحمد أبو قحوص الذي عين مديراً لمدرسة الحد الشمالية التي تقع شرق مركز شرطة الحد القديم.
ولعل من اللطائف والغرائب أنني درست تلميذاً عند الأستاذ أحمد بوقحوص ثم عينت عنده مدرساً للاجتماعيات «التاريخ والجغرافيا» في نفس المدرسة بعد تخرجي في المدرسة الثانوية.
كان منزلنا في مدينة الحد يقع في شمال المدينة، وكان علينا أن نمشي على أرجلنا كل يوم إلى مدرسة الحد الجنوبية في ظل الشمس المحرقة بالصيف أو زمهرير البرد في الشتاء. وكنا حتى لا نصاب بضربة شمس نضع الشنطة فوق رؤوسنا، ويا ويل من يسقط عليه بردي المطر شتاءً إذا كان أقرع على «الزيرو».
وقد رحمنا الله سبحانه وتعالى عندما بنيت مدرسة الحد الشمالية التي لا تبعد عن بيتنا إلا بمسافة صغيرة.
ومن اللطائف أن الأستاذ عبدالرحيم روزبة الذي كان يدرسنا مادة الدين واللغة العربية كان لطيفا وحنونا وكان الطلبة الأشقياء يثيرون الفوضى في فصله، فغضب يوماً ما وطلب من المدير حبسهم في الفصل عقاباً لهم، فلما تأخرت عن العودة إلى المنزل سألت أمي أخي إسماعيل رحمه الله والذي كان يصغرني بعامين عني أخبرها أني محبوس في الفصل، فما كان منها إلاّ أن ملأت أحد الصحون بالغداء وجاءت به إلى المدرسة، لكن الطلبة الأشقياء تطاولوا الصحن منها عن طريق نافذة الفصل وأكلوه كله ولم آكل منه ولا حبة واحدة.
ومن اللطائف التي لا تغيب عني أنني بعد تخرجي في الثانوية عملت مدرسا بمدرسة القضيبية الابتدائية الإعدادية وكان مديرنا الأستاذ عبد علي حاجي عباس الذي كان يمسك بعصا في يده ويضرب بها على الجدار وهو يمشي بين الفصول حتى يخبرنا أنه قادم لكي نقوم بضبط الفصل.
وربما من الغرائب أنني درست وعمري ستة عشر عاما وكان الطلبة يتعجبون من صغر سني، ومازلت أذكر أن أحد طلاب المرحلة الابتدائية زوجوه أهله من كثرة سقوطه في كل فصل ظانين أن زوجته قد تصلح حاله الدراسي.
وبعد اثنى عشر عاماً من التدريس قررت الاستقالة من هذه المهنة المقدسة بسبب التعب الذي يلازم صاحبها في البيت من تحضير دروس الغد وعمل الوسائل التوضيحية ورصد العلامات وتصحيح الكراسات، فأرسل لي الأستاذ حسن المحري الذي كان وكيلاً يومها ليثنيني عن الاستقالة قائلاً لي إني قد درست في جامعة بيروت العربية عن طريق الانتساب وإننا ندفع بالمدرسين الجامعيين ليصبحوا مديرين لكنني أوضحت لسعادته أنني مع هذه الترقية الموعودة سوف أكون مديراً على طلبة فيهم الشقي والغبي والذكي.
هذه ذكريات قديمة تذكرتها ونحن نبدأ عاماً دراسياً جديداً.
{{ article.visit_count }}
ولعل من اللطائف والغرائب أنني درست تلميذاً عند الأستاذ أحمد بوقحوص ثم عينت عنده مدرساً للاجتماعيات «التاريخ والجغرافيا» في نفس المدرسة بعد تخرجي في المدرسة الثانوية.
كان منزلنا في مدينة الحد يقع في شمال المدينة، وكان علينا أن نمشي على أرجلنا كل يوم إلى مدرسة الحد الجنوبية في ظل الشمس المحرقة بالصيف أو زمهرير البرد في الشتاء. وكنا حتى لا نصاب بضربة شمس نضع الشنطة فوق رؤوسنا، ويا ويل من يسقط عليه بردي المطر شتاءً إذا كان أقرع على «الزيرو».
وقد رحمنا الله سبحانه وتعالى عندما بنيت مدرسة الحد الشمالية التي لا تبعد عن بيتنا إلا بمسافة صغيرة.
ومن اللطائف أن الأستاذ عبدالرحيم روزبة الذي كان يدرسنا مادة الدين واللغة العربية كان لطيفا وحنونا وكان الطلبة الأشقياء يثيرون الفوضى في فصله، فغضب يوماً ما وطلب من المدير حبسهم في الفصل عقاباً لهم، فلما تأخرت عن العودة إلى المنزل سألت أمي أخي إسماعيل رحمه الله والذي كان يصغرني بعامين عني أخبرها أني محبوس في الفصل، فما كان منها إلاّ أن ملأت أحد الصحون بالغداء وجاءت به إلى المدرسة، لكن الطلبة الأشقياء تطاولوا الصحن منها عن طريق نافذة الفصل وأكلوه كله ولم آكل منه ولا حبة واحدة.
ومن اللطائف التي لا تغيب عني أنني بعد تخرجي في الثانوية عملت مدرسا بمدرسة القضيبية الابتدائية الإعدادية وكان مديرنا الأستاذ عبد علي حاجي عباس الذي كان يمسك بعصا في يده ويضرب بها على الجدار وهو يمشي بين الفصول حتى يخبرنا أنه قادم لكي نقوم بضبط الفصل.
وربما من الغرائب أنني درست وعمري ستة عشر عاما وكان الطلبة يتعجبون من صغر سني، ومازلت أذكر أن أحد طلاب المرحلة الابتدائية زوجوه أهله من كثرة سقوطه في كل فصل ظانين أن زوجته قد تصلح حاله الدراسي.
وبعد اثنى عشر عاماً من التدريس قررت الاستقالة من هذه المهنة المقدسة بسبب التعب الذي يلازم صاحبها في البيت من تحضير دروس الغد وعمل الوسائل التوضيحية ورصد العلامات وتصحيح الكراسات، فأرسل لي الأستاذ حسن المحري الذي كان وكيلاً يومها ليثنيني عن الاستقالة قائلاً لي إني قد درست في جامعة بيروت العربية عن طريق الانتساب وإننا ندفع بالمدرسين الجامعيين ليصبحوا مديرين لكنني أوضحت لسعادته أنني مع هذه الترقية الموعودة سوف أكون مديراً على طلبة فيهم الشقي والغبي والذكي.
هذه ذكريات قديمة تذكرتها ونحن نبدأ عاماً دراسياً جديداً.