العلاقات بين الدول الشقيقة والصديقة تقوى دائماً بتوقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، وهذا ما هو معلوم بالضرورة في السياسة، بالمقام الأول، ثم تأتي المجالات الأُخرى خاصة ما يتعلّق بالدفاع والأمن والاقتصاد، وغيرها من المجالات المختلفة، ولذلك فإنه بالتحليل والتمحيص يمكننا تفسير وصف الاتفاقية التي وقعها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وأنتوني بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية والتي تسمّى «الاتفاقية الشاملة للتكامل الأمني والازدهار» بأنها اتفاقية تاريخية، نظراً لأنها تهدف إلى الدفع بمستويات التعاون بين البلدين الصديقين نحو مزيدٍ من التكامل غير المسبوق في المجال الأمني والعسكري والتكنولوجيا الحديثة والتجارة والاستثمار، كما أنها تُسهم في تقوية المنظومة الأمنية والاقتصادية للمنطقة، وبالتالي فإن تلك الاتفاقية الاستراتيجية في بنودها لا تتعلّق بالعلاقات القوية والراسخة بين البلدين الصديقين فقط بل إن تأثيرها الإيجابي والفعّال يمتد إلى المنطقة بأكملها.
ولعلّ من أبرز البنود التي يُمكن الوقوف عندها وتحليلها سياسياً، خاصة ما يتعلّق بالوصف الدقيق لصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه، حينما ذكر أن «التركيز من خلال الاتفاقية لن يكون فقط على الأمن والدفاع والذي يمثل ضرورة قصوى، ولكنه أيضاً سيتمّ التركيز على الاقتصاد، وعلى التنمية البشرية، وعلى التكنولوجيا، وهي اتفاقية مفتوحة تمثل فرصة وأساساً لبنية عالمية جديدة»، من هذا المنطلق تبرز أمامنا المجالات الاستراتيجية التي تغطيها وتتضمنها الاتفاقية التاريخية والتي تمثل تحوّلاً استراتيجياً ونوعياً في علاقات البحرين وأمريكا عبر عقود، خاصة بين الحليفين والصديقين المتميزين في المنطقة.
ومن النقاط الجديرة بالاهتمام والتحليل ما تناوله نائب مساعد الرئيس الأمريكي ومنسّق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، بريت ماكغورك، في الإيجاز الصحفي حول الاتفاقية، عندما أكد أن البحرين من أقدم وأقرب الشركاء للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصة مع سعي الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تعزيز الشراكة مع البحرين، من خلال توقيع تلك الاتفاقية التاريخية.
وفي هذا الصدد يشير تعليق المسؤولين الأمريكيين على التوقيع على الاتفاقية إلى مدى الأهمية الاستراتيجية لها وتأثيرها المباشر على مستقبل المنطقة، وربما هذا يبدو جلياً في تصريح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، حينما أكد على «قوة الشراكة الدفاعية بين البلدين الصديقين والحليفين الاستراتيجيين لاسيما وأن واشنطن تنظر بعين الاعتبار إلى البحرين بأنها دولة رائدة في التكامل الإقليمي والأمن البحري»، ويضاف إلى ذلك التصريح أيضاً، تعليق مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان الذي شدد فيه على «التزام الولايات المتحدة الأمريكية الدائم بأمن البحرين».
إن توقيع «الاتفاقية الشاملة للتكامل الأمني والازدهار» يؤكد أن مملكة البحرين تبقى دائماً رقماً صعباً وبلداً مؤثراً بالنسبة لأمن المنطقة والعالم خاصة مع التزامها الدائم بحماية الممرات البحرية وتأمين الملاحة في منطقة تعج بالإشكاليات التاريخية، بيد أن ذلك لم يقف حائلاً أمام التزاماتها الدولية بنشر الأمن والاستقرار سواء في منطقة الخليج بوجه خاص أو في منطقة الشرق الأوسط بوجه عام.