دائماً ما نسمع عبارة «العقد شريعة المتعاقدين» وهي إحدى أبرز القواعد الحاكمة للعقود بين طرفين، حيث تبين حقوق والتزامات كل طرف، وتوضع بحسب ما يتم الاتفاق عليه، ومن المفترض في هذه الحالة أن تكون هناك مناقشات ومفاوضات ومساومات بين طرفي العقد للوصول إلى نقاط تلاقٍ مرضية لكل منهما.. ولكن.
هذا الوضع قد لا ينطبق على عقود العمل بصفة عامة، لأن الطرفين غير متكافئين في القوة، فصاحب العمل لديه اليد العليا والعامل لا حيلة له في حال كان يحتاج للوظيفة بأي وسيلة، وهذا ما يدركه كثير من أصحاب العمل في ظل ارتفاع معدلات البطالة، وأعداد المتقدمين لوظيفة يتيمة.. وعندها تبدأ مرحلة الإذعان.
هذا الوضع يسرده لي شاب في مقتبل العمر متخرج وظل لسنتين يبحث عن وظيفة تناسب مؤهلاته وتحقق له مدخولاً مناسباً يستطيع من خلاله تأمين مستقبله ومن ثم الزواج وتأسيس أسرة، إلا أنه وصل لمرحلة من اليأس جعلته يرضى بأي وظيفة حتى لو كانت دون مؤهلاته.
وعندما عثر على تلك الوظيفة وجد أنه يتسابق عليها ضمن مجموعة كبيرة من نظرائه الذين التقى معهم في مكتب صاحب العمل لإجراء مقابلة، ثم وجد نفسه أمام خيارات صعبة لتلك الوظيفة، فلا هي تحقق تطلعاته ولا تكافئ مؤهلاته، فضلاً عن الشروط المجحفة لحقوقه المذكورة في عقد العمل، ولك أن ترضى أو يقبلها واحد من عشرات غيرك.
قصة هذا الشاب تتكرر كثيراً في هذه الأيام، وقد عادت إلى ذهني مرة أخرى عندما قرأت خبر جلسة عقدتها «غرفة تجارة وصناعة البحرين» حول حقوق وواجبات أصحاب العمل، وكان من ضمن عناوينها «يجب وضع التزامات على صاحب العمل عند إبرام العقد»، وتساءلت.. من الذي سيضع تلك الالتزامات على شخص يملك القوة والسيطرة ولا يترك للطرف الآخر وسيلة للتفاوض معه؟
الوضع الحالي في سوق العمل يضع أمام المشرعين مسؤولية إنسانية كبيرة تتمثل في حماية حقوق المتقدم لوظيفة، بأن يتم وضع آلية تظهر بجلاء ضمن بنود العقد وتحقق العدل والمساواة بين الطرفين، قبل بدء العمل، وأن يلتزم أصحاب العمل بتقديم بنود العقد لجهة مستقلة تحقق فيما إذا كان هذا العقد متوازناً أو هو عقد إذعان، لأن المشكلات التي تحدث فيما بعد ذلك يكون سببها الرئيسي هو هذا العقد.
يسخّر أصحاب الأعمال خبراء قانونيين يتفننون في كتابة نصوص العقد بحيث لا تترك للطرف الضعيف أي منفذ يستطيع من خلاله مقاضاة صاحب العمل عند حدوث خلاف.. ويبقى الضمير هو الفيصل في هذه المشكلة، ولو أنه أصبح اليوم عملة نادرة.
* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية