هروباً من شاشات وسائل الإعلام السريعة التي تنقل الأخبار وتربطني كل ثانية بالأحداث الإقليمية المقلقة قررت أن ألقي بنفسي في أحضان وسيلة إعلامية أخرى تعرف بأنها أقرب إلى الفن والإبداع والخيال من نقل الأخبار، لعلني أجد راحة وهدوءاً مؤقتين. وشاء القدر أن أجلس ثلاث ساعات ونصف لأجد ما أهرب منه يقدم لي مرة أخرى ولكن عبر شاشة كبيرة.
هربت من واقع متعب لأتابع واقعاً شبيهاً له جاء في إطار سينمائي وهو فيلم «قتلة قمر الورود» الذي يتناول قصة حقيقية دارت أحداثها في ولاية أوكلاهوما الأمريكية قبل مئة عام ويظهر بشاعة القتل والمكر والخداع الذي مارسته فئة من الرجال أصحاب البشرة البيضاء تجاه قبيلة من الهنود الحمر تدعى «أوساج» من أجل الاستيلاء على أموالها وأراضيها.
محور الشر أو الرجل الأبيض في الفيلم - والذي مثله الفنانان روبرت دي نيرو وليناردو دي كابريو - استطاع أن يقضي على أسرة كاملة أغلبها من النساء من ضمن قبيلة «أوساج» دون التفات للإنسانية وساعده في ذلك الفساد الطاغي والعنصرية الشديدة في المجتمع اللذان أعطياه المجال لارتكاب جرائمه دون حسيب أو رقيب.
ولذلك وبدلاً من الحصول على قسط من الراحة الذهنية وجدت نفسي في حالة تفكير ومقارنة وتحليل طوال مدة العرض. وأصبحت أقارن بين ما كنت أشاهده على الشاشة الكبيرة وما شاهدته قبل دخول الفيلم في شاشة هاتفي الصغيرة، فالتقارب بين الأحداث كبير والقصة يبدو أنها تتكرر.
ولا ألمح أن الرجل الأبيض شرير بطبعه فهذا تلميح خاطئ ولا يتماشى مع حقيقة أنه وراء التقدم العلمي والطبي والتكنولوجي الذي نشره على مستوى العالم وساهم في تطور البشرية تطوراً هائلاً، كما أنه ليس من المقبول أصلاً تعميم صفة سلبية على أي عرق من أعراق البشر فالأمر فيه تجنٍ وافتراء، لكن التاريخ والحاضر يؤكدان وجود فئات منه مستعدة أن تفعل أي شيء وغالباً بقسوة ووحشية من أجل المال والنفوذ والسيطرة دون اعتبار لحقوق الآخرين أو مبادئ سماوية أو قانون مهما ادعت غير ذلك.