بين ليلة وضحاها يتحول مصير البشر في غزة، فربما تكون حياً ترزق، وفي لحظة تكون شهيداً تحت الأنقاض، أو ضحية قصف أدى إلى بتر ساقك لتسبقك إلى الجنة، بين ليلة وضحاها تصبح الأم ثكلى، ويصبح الطفل يتيماً، وتصبح الزوجة أرملة، ويصبح الأب مكلوماً، كلها بين لحظة وأخرى يتبدل حال الإنسان في غزة، فلا شيء مضموناً من عالم البشر، وقلوبهم معلقة بالله، يدركون معاني كثيرة لا ندركها، يرون كرامات نسمع بها، يتهافتون للشهادة، كلهم موقنون بالنصر، موقنون بالوعود الربانية، يغمضون أعينهم هانئين مهتنئين برضا وصبر وابتسامة نصر.
كذلك يجد بعض الأبطال أنفسهم يحملون أمانة ثقيلة، فتحول كثيرون منهم لإعلاميين ينقلون إلى العالم ما تم حجبه عنهم، يروون القصص الحقيقية، ليطلعونا على الواقع المغيب عنا، فبرز لنا جيل من فلسطين يحمل أدوات تعادل قوة المقاومة العسكرية، بل وقعها على عدوهم أكبر وأشد، فبرز لنا جيل نشر لنا قصة التهجير في حي الشيخ جراح، ونقل الواقع المرعب لغزة، دون تشفير أو تضليل، بل هو الواقع كما يرونه ويجب أن يراه العالم.
وفيما تتآمر مواقع التواصل الاجتماعي مع الاحتلال لتحذف كل المنشورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية من منصة «إنستغرام» وتحجب وسوماً من «تويتر» كما تغلق حسابات من «فيسبوك»، معلقة المشاركات في «التيك توك»، يقوم الشباب في فلسطين بحملات إعلامية جبارة ليكونوا هم الصوت الأعلى، فقامت منى الكرد بنقل قضية حيّ الشيخ جراح إلى العالم، فزاد عدد متابعيها من 13 ألفاً فقط إلى أكثر من 1.2 مليون متابع، وتخصّص حساباتها لتنقل الواقع الفلسطيني والقصة الحقيقية لمحاولات التهجير وهدم البيوت فوق الرؤوس، ومقاومة كل هذا بإقامة موائد الإفطار والتقاط الصور من المقدسيين، ملحمة رائعة يسطرها أبناء المقدسيين.
منذ بداية العدوان على غزة في السابع من أكتوبر 2023 برز لنا أبطال سطروا ملاحم تاريخية، وقاتلوا بعدساتهم وأصواتهم ومنشوراتهم، تعرف العام كله على البطل معتز العزايزة الذي يعمل على تغطية الأخبار داخل القطاع من خلال عدسة كاميرته، فهو يتقن اللغة الإنجليزية التي يستخدمها في شرحه للأحداث بالصوت والصورة لكي يوصل صوته إلى العالم أجمع، وهناك أكثر من 12 مليون متابع له على صفحته الخاصة بموقع «إنستغرام»، ليعرفوا منه تطورات الأحداث في غزة من خلال تغطيته جرائم الجيش الإسرائيلي ضد أطفال ونساء وشيوخ غزة، وعندما غاب عن الظهور بعد أن فقد الكثير من أهله شعر العالم كله بالهلع والخوف والقلق عليه، حتى طمأنهم بظهوره، ليصبح فرداً من كل عائلة مرتبطة بهذه القضية الشريفة.
هناك الكثير من الأسماء الإعلامية التي تمارس دوراً كبيراً في وسط حروب قوية من الخوارزميات المتطرفة التي تحاول طمس الحقيقة، قتلت منهم قوات الاحتلال 36 صحفياً إلى الآن، ولكن هناك الكثير من الأبطال الذين يحملون على عاتقهم مواصلة المسير في هذه المهنة الخطرة، فهناك وائل الدحدودح الذي خسر عائلته ودفنهم بيديه، فسعر الحقيقة للقضايا الشريفة يكون باهظاً، وهناك بلستيا العقاد ويوسف الصيفي، وعلي جاد الله، وأحمد حجازي، والشاب الصغير عبود الذي يظهر بمقاطع متفرقة ينقل الأوضاع على طبيعتها، الكثير من الأسماء التي لن أستطيع ذكرها هنا، ولكنها ستبقى عنواناً في هذه القضية.
مهنة الإعلام والصحافة في ظل تطورات العالم تكون سلاحاً جباراً إذا ما استخدمت الاستخدام الصحيح، فليعتبر كل من يريد دراسة الإعلام من هؤلاء الشباب، وليستخدم أدواته ومهاراته التي أنعم الله بها عليه في خدمة القضايا الإنسانية الشريفة، لتكون جوارحه شاهدة له، لا شاهدة عليه!