في عام 1974 كان «الأسطورة» مهاتير محمد ضيفاً في حفل لختام الأنشطة الطلابية لمدارس «كوبانج باسو» في ماليزيا، وذلك قبل تعيينه بعام واحد وزيراً للتعليم، وقبل سبع سنوات من تعيينه بعدها رئيساً للوزراء.مهاتير أراد إقامة مسابقة من نوع جديد ولهدف ذكي أراد أن يوصله، فأعلن أن المسابقة التي سيقيمها الآن هي للمدرسين وليست للتلاميذ، وأن على كل مدرس أن يأخذ بالونة وينفخها ثم يربطها برجله.وبعد أن فعل المدرسون ذلك جمعهم مهاتير في ساحة مستديرة صغيرة، وقال لهم إن لديه مجموعة من الجوائز، وإنه سيعد لدقيقة واحدة فقط، وبعد انتهائها أي مدرس ستظل بالونته سليمة ومربوطة في قدمه سيحصل على جائزة.بدأ الوقت وبدأ هجوم المدرسين بعضهم على بعض، كل يريد تفجير بالونة الآخر، حتى انتهى الوقت، ففاجأهم مهاتير بقوله: لم أطلب منكم تفجير بالونة أحدكم الآخر. ولو أن كل شخص وقف دون اتخاذ قرار سلبي ضد الآخر لحصل الجميع على جوائز، كل منا يفكر في النجاح على حساب الآخرين، مع أن النجاح متاح للجميع، ولكن للأسف البعض يتجه نحو تدمير الآخر وهدمه لكي يحقق النجاح.انتهت القصة، ولو رجعتكم لإسقاطاتها لوجدتم مجتمعات مختلفة ومتباينة، لكنها تعيش نفس «الأمراض» الإدارية، ونفس «الانحدار» في النفوس البشرية.وواقعنا ليس بمعزل عن ذلك، فمشكلة كثيرين لدينا أنهم يرون «نجاح الآخرين» وكأنه «فشل» لهم، يرون نجاحك وترقيك وتميزك كشخص، كأنه جاء على حسابهم، وكأنه جاء لينتقص منهم، بالتالي لا بد من «تدميرك»، ولا بد من «تشويه» صورتك، ولا بد من «حياكة المؤامرات» ضدك، وهذا واقع حاصل.تجد هذه الممارسات لدى من يصنفون في المؤسسات على أنهم «حاشية» أو «بطانة سوء» أو من أصحاب «نقل الكلام» و«صنع الشائعات» أو «المتملقين والمتزلفين»، وتكون المصيبة الكبرى لو وصل هذا المرض ليطال المسؤول في القطاع وصاحب القرار، حينها تصبح المصيبة كارثة حقيقية، إذ يتحول المسؤول الذي واجبه أن يطور الناس، وأن يقودهم إلى النجاح، وأن يرسم لهم ترقيهم الوظيفي، وأن يعينهم، يتحول إلى أساس «التحطيم» لهم، ويتحول إلى أول «المدمرين لهم».هناك من المسؤولين من يرى أن تمكينه للطاقات، ومساعدته للكفاءات، سيأتي على حسابه، وسيكون سبباً في اهتزاز كرسيه، بل سيكون هؤلاء تهديداً له، وهذا فكر كارثي بحد ذاته، إذ أساطير وقامات عظيمة في العمل الإداري وفي الفكر الإداري وليس «التنظير الإداري» مثل مهاتير محمد وغيره، تخرج على أيديهم أجيال، وقدموا كفاءات اجتهدوا في صقلها وتطويرها، لم يوقف ذلك «خوف» أو «هاجس» منهم وأنهم يشكلون «تهديداً لهم»، ماذا حل بهؤلاء العظماء الواثقين من أنفسهم؟! ظلوا في مواقعهم نجوماً ورموزاً للقيادة والإدارة.لو نترك عنا الفكر السلبي، لو نترك عنا الحسد والغيرة، لو نترك عنا ضعف الثقة بالنفس، لأنجزنا وحققنا، لكننا للأسف نشرنا ثقافات خاطئة أصبحت عرفاً لدينا، وانحرفت بالتالي المبادئ والقيم الإدارية، وباتت قناعة البعض قائمة على معادلة «حطّم الآخرين لتحافظ على موقعك أو تحرمهم من فرصهم وتسرقها منهم».