ستانيسلاف بتروف كان ضابطاً برتبة مقدم في قوات الدفاع الجوية السوفيتية، عندما كان يقود دورية في مركز قيادة تابع لمنظومة أوكا للإنذار المبكر، ليطلق نظام إنذار إطلاق الصواريخ إشارة تبين أن الولايات المتحدة الأمريكية أطلقت صاروخاً نحو الاتحاد السوفيتي آنذاك، ثم تبعتها إشارة لصاروخ آخر، وآخر حتى بلغت الإشارة إلى خمسة صواريخ أطلقتها أمريكا، وذلك بتاريخ 26 سبتمبر 1983 خلال الحرب الباردة، وفي تلك الأيام كانت الأجواء مشحونة، فقبل هذا التاريخ بثلاثة أسابيع أسقط الاتحاد السوفيتي طائرة الرحلة 007 التابعة للخطوط الجوية الكورية، ووفقاً للبروتوكول كان على بتروف إبلاغ قادته فوراً، ليأتي الرد السوفيتي الذي في الأغلب سيكون رداً نووياً، لكن رغم كل ذلك قرر أن يعتبر الإنذار كاذباً، ولم يتخذ أي إجراء معتمداً على حدسه وتقييمه للوضع السياسي واحتمال نشوب حرب عالمية نووية بسبب قراره، وبالفعل تبين فيما بعد أن الإنذارات كلها كانت كاذبة نتيجة خلل حصل في منظومة الإنذار المبكر التي خلطت بين تأثير انعكاسات الضوء على السحاب وبين الصواريخ.

ومع أنه ينسب إلى بتروف إنقاذ العالم في تلك الفترة، وهو أمر واقعي، إلا أن هذا الأمر الكبير والذي سرح بسببه من الجيش لعصيانه الأوامر، ثم منح عليه بعد سنوات جوائز وتكريمات عدة، لم يتضمن اتخاذ أي إجراء، إنما كان عبارة عن التجاهل و«التطنيش» والذي لا يمكن اعتباره نوعاً من الإهمال أو اللامبالاة، لكنه في حقيقة الأمر استراتيجية تأتي من إرادة شخصية وحكمة في قراءة الأمور والأحداث، ومهارة من مهارات القيادة، هذه الاستراتيجية في التعامل، يجب أن يتعلمها ويتدرب عليها كل إنسان، ليتمكن من العيش والعمل والاستمرار، وهي لا تختص بالتعامل مع المواقف التي تحتاج إلى هدوء في اتخاذ القرار لتهدئة موقف أو تجنب التصعيد، وعدم السماح لتأثير العاطفة على اتخاذ القرار، كما هو الحال في الأزمات، والنزاعات ومواقف الجدال والمفاوضات والمناقشات المهمة، والتعامل مع الأخبار السيئة، إنما مجال استخدامها أوسع بكثير، فهي مطلوبة في مواقف كثيرة منها التعامل مع المواقف والأحداث التي لا يمكن تغييرها، وليست من اختصاصنا، والتي لابد من قبولها والتكيف معها، بداية من مواقف التحديات اليومية الصغيرة وصولاً إلى المواقف الكبيرة التي تغير حياتنا، ومواقف الشائعات والأخبار الكاذبة لا سيما مع ازديادها وانتشارها الكبير المرتبط بانتشار وسائط التواصل الاجتماعي، والتعامل مع الأشخاص الذين يبثون السموم بأشكال وطرق مختلفة تؤثر على صحة الإنسان وعلاقاته إذا ما استمر بالتواصل معهم ومنح الاهتمام والتركيز لكل ما يصدر عنهم، وأيضاً هي استراتيجية نافعة للتعامل مع التعليقات السلبية المستمرة التي تحبط متلقيها وتؤذيه ولا تساعده على التطور، وتؤثر سلباً على بيئة العمل والعلاقات الشخصية.

التجاهل الذكي إحدى استراتيجيات علم النفس، تساعد على تجاوز مشكلات كبيرة، وتقلل سلوكيات سلبية تصدر من كثير من الناس، في الواقع «طنش تعش».

* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية