كعادتها في الحركة الدبلوماسية النشطة المعروفة بسرعة الاستجابة والتعامل اليقظ مع قضايا الساعة، تأهبت البحرين بكافة إمكانياتها بما يتناسب مع ما تتحمله من مسؤولية سياسية في هذه المرحلة من مراحل العمل العربي، كرئيس لقمة العرب القادمة "16 مايو 2024"، والتي بدأت بالتحضير لها، قبل أشهر، وكثّفت من تحركاتها على مدى الأسابيع القليلة الماضية تفاعلاً مع الظروف والأوضاع الكارثية لحرب غزة، وغيرها من الأزمات العربية والتهديدات الإقليمية المستمرة، بل المتزايدة، والمثيرة للفوضى في أرجاء المنطقة.
وعلى وقع هذه الأحداث الصاخبة، حشدت الدبلوماسية البحرينية جهودها على كل جبهة، برشاقتها المعهودة، بعيداً عن الإثارة السياسية والصخب الإعلامي، مستندة في ذلك، إلى الرجاحة السياسية للنموذج البحريني المتمسك بتخطيطه الهادئ وتعامله الودود المترفع عن الحساسيات والتوجسات، والحريص على اقتناص بوارق الأمل لتقريب المواقف وتحقيق التفاهمات المرجوة بمردودها الإيجابي على التضامن العربي.
ومع ثبات الموقف البحريني على جبهة السلم وانخراطها الفاعل ضمن المساعي الدولية لوقف تداعيات الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني للوصول لحل عادل وشامل، فلابد من التمعن في المغزى السياسي والإنساني لدور البحرين في دعم الدور العربي عند إدارة أزماته، ونوجز ملامحه في:
1- الحرص والاهتمام المعهودان لعاهل البلاد المعظم، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله ورعاه، في تنشيط الدبلوماسية البحرينية تجاه القضايا ذات الأولوية على ساحة التعاون الدولي لتقوية شراكاتها، الشرقية والغربية، ومتابعته الحثيثة لدقائق الأمور مع كافة القادة العرب، للتشاور حول أهم القضايا التي ستناقشها "قمة البحرين" القادمة، وخصوصاً ما تعلق بالشأن الفلسطيني الذي تصدّر كافة المباحثات العربية على مسار جولات جلالته الأخيرة، بدءاً من العقبة، مروراً بالقاهرة، ووصولاً لأبو ظبي.
2- النشاط الحكومي المكثّف والمركّز، لترجمة التوجيهات الملكية بقيادة سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، بتصريحاته واتصالاته الهامة بالمسؤولين الدوليين لمناقشة المُلّح من القضايا، ولطرح وإيصال وجهات النظر البحرينية لوقف تصعيد الحرب على غزة ودعم جهود تعافيها، وللتسريع من تبني الحلول السياسية العقلانية، لقضية يطول حلها.
3- استضافة البحرين للاجتماع الأخير لمجلس أمناء صندوق تمكين القدس المعني بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمقدسيين، وما أحيط به من رعاية وترحاب ملكي، واهتمام خاص من قبل سمو الشيخ ناصر بن حمد، الذي يعتني بتفعيل وإبراز دور البحرين الخيري - الإنساني، وما جاء على لسان رئيس وأعضاء مجلس أمناء الصندوق من تقدير كبير لما تبادر به مملكة البحرين من دعم مطلق لمساندة الشعب الفلسطيني، والتخفيف من معاناته من خلال العديد من المشروعات التنموية والعمليات الإغاثية، التي نجدها في أغلب الأحيان تلتزم بالنهج النبوي الكريم "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".
4- الجولات المكوكية للعديد من المسؤولين الحكوميين في سياق الاستعدادات القائمة، على قدم وساق، للقمة العربية، ونخص هنا، بالذكر والثناء، وزير الخارجية د. عبد اللطيف الزياني على جهوده الاستثنائية، التي تتحلى بدبلوماسيته المحنكة وهو يجول أغلب العواصم العربية، ويشارك في كل الاجتماعات الإقليمية والدولية، ويكمّل هذه الصورة المليئة بالنشاط والإيجابية، فريق العمل الوزاري، والجميع يحرص على استثمار العلاقات البحرينية لتقريب المواقف العربية تجاه قضاياها.
5- المشاركة المتألقة للوفد الرسمي في المنتدى الاقتصادي بمدينة الرياض، التي شهدنا لها تفاعلاً ونشاطاً واضحين لدعم الموقف البحريني وتفعيل رئاسته للقمة العربية، ولعل الرسائل الصادرة منه، إلى جانب صورة اللقاء الودي والحميم، لوزير المالية والاقتصاد الوطني ومستشار العاهل المعظم للشؤون الدبلوماسية مع رئيس السلطة الفلسطينية، قد عبّرت عن حجم الاعتزاز والمكانة الرفيعة لقضية العرب الأولى في الوجدان البحريني.
6- دخول السلطة التشريعية البحرينية، بغرفتيها، على خط هذا النشاط الدبلوماسي للإسهام في إيصال الصوت الشعبي والرأي العام الوطني، الذي لطالما حسم مواقفه وعبّر، بكل صراحة، عن دعمه المطلق لعودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والاعتراف الكامل بدولته، وبرفض كل ما يجري من قتل ممنهج وتهجير قسري .. لإلغاء تاريخ شعب بأكمله.
7 - قرب انعقاد منتدى مركز "دراسات"، لمناقشة خطوات إنشاء حاوية فكرية "عربية" للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية، وهي بادرة ستسهم، كما أوضح القائمون على المركز، في تقديم الدعم الفكري والعلمي لأعمال "قمة البحرين"، ضمن تعاون مشترك بين دراسات وأمانة جامعة الدول العربية، وتفعيلاً لأحد توصيات "قمة جدة".
هذه هي أهم ملامح التحركات البحرينية بمساعيها الحسنة ونواياها الطيبة وحرصها اللامحدود للوصول إلى نقطة تلاقي تسرّع من التهدئة وإطفاء أسباب الحرب المشتعلة، وجميع تلك التحركات يجب ألا تمر، مرور الكرام، فتاريخ البحرين العروبي تاريخ حافل ومتواصل بالمواقف المشرّفة، وهنا لابد من الإشارة إلى شعور قائد البلاد تجاه نكبة فلسطين (1948)، التي يعتبرها، حتى هذه اللحظة، جرحاً مفتوحاً في الذات العربية، ولن يبرأ إلا بقيام الدولة الفلسطينية والاعتراف الكامل بها.
ونعود لنسأل، هل وصلنا لنهاية هذا التحرك البحريني الجاد والمجدد للأمل بمستقبل إنساني أفضل؟ لا أظن ذلك، فكما يقول د. محمد جابر الأنصاري، "إن أهل البحرين أهل سفر وبحر وترحال، وتحركاتهم تصل بعيداً كما كان شراعهم يصل إلى كل الموانئ"، معرّفين بنموذجهم في الانفتاح الحضاري والتعايش السلمي.
* عضو مؤسس دارة محمد جابر الأنصاري للفكر والثقافة
وعلى وقع هذه الأحداث الصاخبة، حشدت الدبلوماسية البحرينية جهودها على كل جبهة، برشاقتها المعهودة، بعيداً عن الإثارة السياسية والصخب الإعلامي، مستندة في ذلك، إلى الرجاحة السياسية للنموذج البحريني المتمسك بتخطيطه الهادئ وتعامله الودود المترفع عن الحساسيات والتوجسات، والحريص على اقتناص بوارق الأمل لتقريب المواقف وتحقيق التفاهمات المرجوة بمردودها الإيجابي على التضامن العربي.
ومع ثبات الموقف البحريني على جبهة السلم وانخراطها الفاعل ضمن المساعي الدولية لوقف تداعيات الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني للوصول لحل عادل وشامل، فلابد من التمعن في المغزى السياسي والإنساني لدور البحرين في دعم الدور العربي عند إدارة أزماته، ونوجز ملامحه في:
1- الحرص والاهتمام المعهودان لعاهل البلاد المعظم، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله ورعاه، في تنشيط الدبلوماسية البحرينية تجاه القضايا ذات الأولوية على ساحة التعاون الدولي لتقوية شراكاتها، الشرقية والغربية، ومتابعته الحثيثة لدقائق الأمور مع كافة القادة العرب، للتشاور حول أهم القضايا التي ستناقشها "قمة البحرين" القادمة، وخصوصاً ما تعلق بالشأن الفلسطيني الذي تصدّر كافة المباحثات العربية على مسار جولات جلالته الأخيرة، بدءاً من العقبة، مروراً بالقاهرة، ووصولاً لأبو ظبي.
2- النشاط الحكومي المكثّف والمركّز، لترجمة التوجيهات الملكية بقيادة سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، بتصريحاته واتصالاته الهامة بالمسؤولين الدوليين لمناقشة المُلّح من القضايا، ولطرح وإيصال وجهات النظر البحرينية لوقف تصعيد الحرب على غزة ودعم جهود تعافيها، وللتسريع من تبني الحلول السياسية العقلانية، لقضية يطول حلها.
3- استضافة البحرين للاجتماع الأخير لمجلس أمناء صندوق تمكين القدس المعني بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمقدسيين، وما أحيط به من رعاية وترحاب ملكي، واهتمام خاص من قبل سمو الشيخ ناصر بن حمد، الذي يعتني بتفعيل وإبراز دور البحرين الخيري - الإنساني، وما جاء على لسان رئيس وأعضاء مجلس أمناء الصندوق من تقدير كبير لما تبادر به مملكة البحرين من دعم مطلق لمساندة الشعب الفلسطيني، والتخفيف من معاناته من خلال العديد من المشروعات التنموية والعمليات الإغاثية، التي نجدها في أغلب الأحيان تلتزم بالنهج النبوي الكريم "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".
4- الجولات المكوكية للعديد من المسؤولين الحكوميين في سياق الاستعدادات القائمة، على قدم وساق، للقمة العربية، ونخص هنا، بالذكر والثناء، وزير الخارجية د. عبد اللطيف الزياني على جهوده الاستثنائية، التي تتحلى بدبلوماسيته المحنكة وهو يجول أغلب العواصم العربية، ويشارك في كل الاجتماعات الإقليمية والدولية، ويكمّل هذه الصورة المليئة بالنشاط والإيجابية، فريق العمل الوزاري، والجميع يحرص على استثمار العلاقات البحرينية لتقريب المواقف العربية تجاه قضاياها.
5- المشاركة المتألقة للوفد الرسمي في المنتدى الاقتصادي بمدينة الرياض، التي شهدنا لها تفاعلاً ونشاطاً واضحين لدعم الموقف البحريني وتفعيل رئاسته للقمة العربية، ولعل الرسائل الصادرة منه، إلى جانب صورة اللقاء الودي والحميم، لوزير المالية والاقتصاد الوطني ومستشار العاهل المعظم للشؤون الدبلوماسية مع رئيس السلطة الفلسطينية، قد عبّرت عن حجم الاعتزاز والمكانة الرفيعة لقضية العرب الأولى في الوجدان البحريني.
6- دخول السلطة التشريعية البحرينية، بغرفتيها، على خط هذا النشاط الدبلوماسي للإسهام في إيصال الصوت الشعبي والرأي العام الوطني، الذي لطالما حسم مواقفه وعبّر، بكل صراحة، عن دعمه المطلق لعودة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والاعتراف الكامل بدولته، وبرفض كل ما يجري من قتل ممنهج وتهجير قسري .. لإلغاء تاريخ شعب بأكمله.
7 - قرب انعقاد منتدى مركز "دراسات"، لمناقشة خطوات إنشاء حاوية فكرية "عربية" للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية، وهي بادرة ستسهم، كما أوضح القائمون على المركز، في تقديم الدعم الفكري والعلمي لأعمال "قمة البحرين"، ضمن تعاون مشترك بين دراسات وأمانة جامعة الدول العربية، وتفعيلاً لأحد توصيات "قمة جدة".
هذه هي أهم ملامح التحركات البحرينية بمساعيها الحسنة ونواياها الطيبة وحرصها اللامحدود للوصول إلى نقطة تلاقي تسرّع من التهدئة وإطفاء أسباب الحرب المشتعلة، وجميع تلك التحركات يجب ألا تمر، مرور الكرام، فتاريخ البحرين العروبي تاريخ حافل ومتواصل بالمواقف المشرّفة، وهنا لابد من الإشارة إلى شعور قائد البلاد تجاه نكبة فلسطين (1948)، التي يعتبرها، حتى هذه اللحظة، جرحاً مفتوحاً في الذات العربية، ولن يبرأ إلا بقيام الدولة الفلسطينية والاعتراف الكامل بها.
ونعود لنسأل، هل وصلنا لنهاية هذا التحرك البحريني الجاد والمجدد للأمل بمستقبل إنساني أفضل؟ لا أظن ذلك، فكما يقول د. محمد جابر الأنصاري، "إن أهل البحرين أهل سفر وبحر وترحال، وتحركاتهم تصل بعيداً كما كان شراعهم يصل إلى كل الموانئ"، معرّفين بنموذجهم في الانفتاح الحضاري والتعايش السلمي.
* عضو مؤسس دارة محمد جابر الأنصاري للفكر والثقافة