مع إطلاق شركة OpenAI نموذجها الرائد الجديد للذكاء الاصطناعي التوليدي المسمى GPT-4o، بالإضافة إلى التحديثات التي تضمنت خدمة سطح المكتب الجديدة والتطورات في قدرات المساعد الصوتي؛ يبقى السؤال: هل سيغيّر الذكاء الآليّ، أو المعروف باسم الذكاء الاصطناعي (AI)، طرق وجودنا وعملنا وتفاعلنا مع العالم بشكل جذريّ؟
الذكاء الاصطناعي ليس شيئاً جديداً، فقد تمّ تصوّره منذ منتصف القرن الماضي عندما ظهرت فكرة ابتكار آلة يمكنها التفكير مثل البشر. ففي عام 1950م قدّم آلان تورينغ، المعروف بأنّه أحد الآباء المؤسّسين لعلوم الكمبيوتر، اختبار المحاكاة أو اختبار تورينغ، وهو أوّل مفهوم ناجح للتحقّق من ذكاء الآلة مقارنةً بالإنسان، أدّى ذلك إلى إطلاق شرارة المزيد من الأبحاث حول هذا الموضوع، وأجريت البحوث النشطة، وحاول الباحثون ترميز المعرفة والاستدلال البشريّين في أجهزة الكمبيوتر في شكل رموز وأوامر.
وتمثّل بعض النجاح المبكّر في تطوير أنظمة خبيرة وأساليب بسيطة لحلّ المشاكل. ومع ذلك، أدّى النطاق الضيّق والنجاح المحدود للذكاء الاصطناعيّ الرمزيّ إلى جانب محدوديّة الحوسبة والتمويل إلى انخفاض الاهتمام والاستثمار في أبحاث الذكاء الاصطناعيّ، وغالباً ما يشار إلى تلك الفترة من البحث، والّتي استمرّت من السبعينيّات إلى التسعينيّات، باسم «شتاء الذكاء الاصطناعيّ».
أمّا المرحلة الثانية، وهي مرحلة الانتعاش، والتي كانت من التسعينيّات إلى العقدين السابقين من القرن الحالي، فمع ظهور أجهزة كمبيوتر أكثر قوّة، وتوافر مجموعات بيانات هائلة، والتطوّرات في الأساليب الإحصائيّة والكمّيّة؛ قطعت أبحاث الذكاء الاصطناعيّ أشواطاً كبيرة.
وبشكل عام، أصبح التعلّم الخاضع للإشراف لخوارزميّات التعلّم الآليّ للتعرّف على الأنماط في البيانات هو النهج السائد في مجال الذكاء الاصطناعيّ، وشمل ذلك تطوير الشبكات العصبيّة متعدّدة المستويات القائمة على التعلّم العميق والّتي يمكن تدريبها على مجموعات كبيرة من البيانات؛ مما أضاف قدرات جديدة كبيرة في معالجة اللغة الطبيعيّة والرؤية الحاسوبيّة ومجالات أخرى.
اليوم، يتغلغل الذكاء الآليّ في كلّ نواحي الحياة، وفي كلّ صناعة. في مجالات الرعاية الصحّيّة والتعليم، وقطاعات التمويل والتصنيع والنقل والخدمات اللوجستيّة والبيع والتسويق وخدمة العملاء وغيرها الكثير من القطاعات الّتي ستتأثّر بكلّ إصدار جديد لهذه التقنيّة الخارقة والمتطوّرة باستمرار، ستسهم الحلول المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ في حلّ بعض التحدّيات العالميّة الكبرى، بما في ذلك - على سبيل المثال لا الحصر - تغيّر المناخ، وتحسين الموارد، والتنبّؤ بالكوارث وإدارتها، وتحسين برامج الصحّة العامّة.
ويكمن المستقبل في تحسين قدرات أنظمة الذكاء الاصطناعيّ في عمليّات اتّخاذ القرار والإبداع المعقّدة. وبصورة أعمق بكثير، يتمثّل أحد المسارات الرئيسيّة للاتّجاهات الصاعدة في مجال الذكاء الاصطناعيّ في تعميم قدراتها على نحو تنافسيّ خصوصًا مع صراع الهيمنة بين أمريكا والصين فيما يتعلق بتكنولوجيا الكم والتي لا تزال في مراحلها المبكرة؛ ممّا يجلب معه الفرص والتحدّيات على حدّ سواء.
إنّ مفتاح إطلاق الإمكانات الكاملة لذكاء الآلة هو تطويره بشكل مسؤول من خلال الاستخدام الأخلاقيّ وأطر الحوكمة الخاصّة به والنهج التعاونيّ الّذي يكمن في الاعتراف به كأداة مساعدة للبشر. فالأمر لا يتعلّق ببناء آلة أكثر ذكاءً؛ بل يتعلّق بتعزيز القدرات البشريّة وجودة الحياة للجميع .. ليبقى الإنسان هو الإنسان.