وصلني مقطع فيديو «تمثيلي» لمحامٍ يستقبل شاباً يرغب في رفع دعوى حجر على أموال وممتلكات والده، وشاهدت المقطع واعتقدت أنه مجرّد تمثيلية إنسانية جميلة لكنها قد لا تحدث على أرض الواقع، إلا أنها للأسف حدثت وتحدث، وما اعتقدته تمثيلاً قرأته واقعاً في مجتمعنا للأسف.
المقطع التمثيلي يبدأ بمكتب محامٍ يستقبل الشاب الذي يرغب في رفع قضية حجر على والده، وقد جاء لهذا المكتب لسمعته الكبيرة في ربح القضايا مهما كانت صعوبتها، ولم يكن مكترثاً لقدر الأتعاب أكثر من تركيزه على سلب أموال أبيه.
المحامي أكد له أن القضية محسومة بالفعل ولكن لكي يكسبها الشاب ضد والده، فعليه أن يأتيه بمجموعة من المستندات، وهنا استبشر الشاب خيراً وأكد للمحامي أن أمر المستندات سيكون يسيراً.
قال المحامي للشاب: اجلب لي صورة لوالدك وهو ينتظر على أحر من الجمر في المستشفى يوم ولادتك، وصورة أخرى له وهو يحملك على كتفه أينما ذهب، وصورة ثالثة لأبيك وهو راجع إلى البيت من عمله ويظهر عليه التعب والإرهاق بينما يحمل لك الطعام ويعطيك الحلوى ويشتري لك اللعب، وصورته وهو يركض بك إلى المستشفى في عز البرد لكي يتمكن من خفض حرارتك المرتفعة ولو درجة واحدة كي تستقر حالتك، وصورة لأبيك تُظهر ملامحه كل علامات التعب والإرهاق لكي يوفر لك مصاريف الدراسة ولتصل إلى التخرّج وتصبح رجلاً يُعتمد عليه، وصورة للوالد قبل العيد بشهر وماذا كان يفعل لكي يوفّر أموالاً لشراء ملابس العيد لك كي تفرح بها لمدة يوم واحد.
وأضاف المحامي قائلاً للشاب: أهم مستند في القضية، هو صورة سرّية لوالدك وهو يمسح دموعه قبل دخوله البيت لأنه لم يستطع أن يوفّر لك ما طلبته، وأخرى وهو يستدين أموالاً ليشتري بها تلفوناً لك، وصورة أخرى وهو يبيع أغلى ما عنده لكي يوفر مصاريف زواجك.
المشهد كان إنسانياً وخيالياً بعض الشيء، لكن بعد أيام قرأت قصة في البحرين لأبناء يطالبون بإخراج أمهم من بيتها للحصول على نصيبهم في ميراث أبيهم بذلك البيت، رغم أنها سيدة طاعنة في العمر ولم يتبقَّ لها الكثير حتى ترحل عن دنياهم الدنيئة وتترك لهم هذا البيت ينهشونه فيما بينهم.
ولم أكن أتخيل أن يفعل ذلك أحدٌ من الأبناء في أمه التي ربّته، ولا أن يطمع في بيع هذا البيت الذي حملته أمه فيه على كتفيها، وقضى فيه جلّ حياته وشبابه، لمجرد الحصول على بعض الدنانير، غير عابئ بأمه أين ستعيش وما مصيرها بعد الطرد في الشارع.
ولله الحمد، فقد أرسل الله لتلك السيدة محامياً شريفاً دافع عن حقها في البقاء، واصطفى لها قاضي محكمة إنساناً ليُصدر حكماً بالإبقاء على حالة الشيوع في ذلك البيت لمدة 5 سنوات، عسى الأبناء أن يعودوا لرشدهم أو تترك لهم أمهم البيت والدنيا وتذهب إلى أرحم الراحمين.
* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية