إدمان البُعد الآخر، هو الطوفان الصامت الذي يجتاح مجتمعاتنا اليوم. لم يعد مجرد ظاهرة عابرة أو عادة سيئة، بل أصبح مرضاً يتسلل إلى كل زاوية من حياتنا، مستهدفاً عقول أطفالنا قبل أي شيء آخر. إنه إدمان الأجهزة الإلكترونية، تلك الشاشات الصغيرة التي تحولت إلى نافذة مفتوحة نحو عالم افتراضي، نعيش فيه بعقولنا بينما تبقى أجسادنا هنا في الواقع. هذا الإدمان، الذي لا يقل خطورة عن المخدرات، بل ربما يكون أخطر، ليس فقط لأنه يهدد مستقبل جيل بأكمله، بل لأنه يتم بقبول منا، وأحياناً بمباركتنا، وكأننا نغض الطرف عن هذا العدو الخفي الذي يتغلغل في بيوتنا دون مقاومة.
وكما في أي إدمان، نجد دائماً تعليقاً يُقال: «يذهب العقل!» نعم، كل شيء يصل إلى حد الإدمان يُذهب العقل، بل ويجعل الإنسان مجرد جسد يتوسط من حوله، لا يدرك ولا يعلم ما الذي يحدث حوله. تظهر على جسده تأثيرات ومشاعر غضب أو فرح أو حزن فقط لأنها تحدث في عالمه الافتراضي! هذا هو حال الكثير منا، وخاصة أطفالنا اليوم، حيث يعيشون في عالم وبُعْدٍ آخر بعقولهم، بينما أجسادهم فقط هنا.
أحد المشاهد التي عايشتها قبل فترة قصيرة عندما كنت خارج البلاد، وكانت لطفل يجلس في مكان عام، منهمكاً في اللعب على جهازه اللوحي، وكانت ملامح وجهه تعكس تركيزاً عميقاً وانفصالاً تاماً عن محيطه، ووالدته بجواره تطعمه وجبة خفيفة، دون أن يرفع الطفل عينيه عن الشاشة، أو يدرك ما يأكله. وبعد أن نفدت بطارية الجهاز، التفت الطفل فجأة إلى والدته ليسألها: «ماذا أطعمتني؟ كان لذيذاً، أريد المزيد!»، كان الأمر صادماً، فالطفل كان في حالة من الانفصال العقلي الكامل، غير مدرك لما يدور حوله، وحتى لما يدخل جوفه.
وفي موقف آخر حدث معي قبل أيام، أثناء زيارتي لوالدتي برفقة أطفالي، كان المكان في الساعات الأولى يعمه الهدوء. وعندما دقت الساعة السابعة، قلت لأطفالي: «بعد أيام ستفتح المدارس، ويجب أن نعيد جدولة استخدامكم للأجهزة. أعطوني أجهزتكم حالاً!»، وما أن أخذت الأجهزة منهم بعد سجال، حتى بدأت بعد دقائق موجة من الهياج والتذمر تنتابهم: «ملل»، «لايوجد برنامج»، «نريد أن نذهب إلى البقالة».
ثم بدأت المشاجرات بينهم. فجأة، عادت إليهم روح الأطفال بمجرد ابتعادهم عن الأجهزة، وكأن أرواحهم كانت مسجونة في عالم افتراضي. إذا كانت هناك مسؤولية وسبب لهذا الوضع، فهو يقع في المقام الأول على أولياء الأمور. فالأسرة اليوم ليست كما كانت في السابق، فالأب والأم كلاهما مرتبطان بمهام وواجبات يومية متزايدة. لم يعد دور الأب فقط العمل وتوفير الحياة الكريمة لعائلته، بل أصبحت المرأة تتحمل هذه المسؤولية بشكل مباشر أيضاً. ونتيجة لهذا الضغط، أصبح جزء كبير من وقت الأطفال يُقضى مع الأجهزة الإلكترونية، وكأنها بديل للوالدين، ليس فقط للترفيه، بل أيضاً لمنح الوالدين فرصة للحصول على بعض الراحة.
هذه المشاهد تكشف لنا حقيقة مرعبة، أن إدمان الأجهزة الإلكترونية ليس مجرد عادة سيئة، بل هو حالة من الانفصال العقلي والاجتماعي. الأطفال والكبار على حد سواء ينغمسون في هذا العالم الرقمي على حساب واقعهم وحياتهم الاجتماعية. علينا أن ندرك أن هذا الإدمان يشكل خطراً حقيقياً على صحة أطفالنا النفسية والجسدية، يجب أن نبدأ بوضع ضوابط صارمة لاستخدام هذه الأجهزة، وتوعية الأطفال والكبار بخطورة هذا الإدمان، قبل أن نفقد أجيالاً كاملة في عالم افتراضي يبعدهم عن واقعهم وعن إنسانيتهم.
وكما في أي إدمان، نجد دائماً تعليقاً يُقال: «يذهب العقل!» نعم، كل شيء يصل إلى حد الإدمان يُذهب العقل، بل ويجعل الإنسان مجرد جسد يتوسط من حوله، لا يدرك ولا يعلم ما الذي يحدث حوله. تظهر على جسده تأثيرات ومشاعر غضب أو فرح أو حزن فقط لأنها تحدث في عالمه الافتراضي! هذا هو حال الكثير منا، وخاصة أطفالنا اليوم، حيث يعيشون في عالم وبُعْدٍ آخر بعقولهم، بينما أجسادهم فقط هنا.
أحد المشاهد التي عايشتها قبل فترة قصيرة عندما كنت خارج البلاد، وكانت لطفل يجلس في مكان عام، منهمكاً في اللعب على جهازه اللوحي، وكانت ملامح وجهه تعكس تركيزاً عميقاً وانفصالاً تاماً عن محيطه، ووالدته بجواره تطعمه وجبة خفيفة، دون أن يرفع الطفل عينيه عن الشاشة، أو يدرك ما يأكله. وبعد أن نفدت بطارية الجهاز، التفت الطفل فجأة إلى والدته ليسألها: «ماذا أطعمتني؟ كان لذيذاً، أريد المزيد!»، كان الأمر صادماً، فالطفل كان في حالة من الانفصال العقلي الكامل، غير مدرك لما يدور حوله، وحتى لما يدخل جوفه.
وفي موقف آخر حدث معي قبل أيام، أثناء زيارتي لوالدتي برفقة أطفالي، كان المكان في الساعات الأولى يعمه الهدوء. وعندما دقت الساعة السابعة، قلت لأطفالي: «بعد أيام ستفتح المدارس، ويجب أن نعيد جدولة استخدامكم للأجهزة. أعطوني أجهزتكم حالاً!»، وما أن أخذت الأجهزة منهم بعد سجال، حتى بدأت بعد دقائق موجة من الهياج والتذمر تنتابهم: «ملل»، «لايوجد برنامج»، «نريد أن نذهب إلى البقالة».
ثم بدأت المشاجرات بينهم. فجأة، عادت إليهم روح الأطفال بمجرد ابتعادهم عن الأجهزة، وكأن أرواحهم كانت مسجونة في عالم افتراضي. إذا كانت هناك مسؤولية وسبب لهذا الوضع، فهو يقع في المقام الأول على أولياء الأمور. فالأسرة اليوم ليست كما كانت في السابق، فالأب والأم كلاهما مرتبطان بمهام وواجبات يومية متزايدة. لم يعد دور الأب فقط العمل وتوفير الحياة الكريمة لعائلته، بل أصبحت المرأة تتحمل هذه المسؤولية بشكل مباشر أيضاً. ونتيجة لهذا الضغط، أصبح جزء كبير من وقت الأطفال يُقضى مع الأجهزة الإلكترونية، وكأنها بديل للوالدين، ليس فقط للترفيه، بل أيضاً لمنح الوالدين فرصة للحصول على بعض الراحة.
هذه المشاهد تكشف لنا حقيقة مرعبة، أن إدمان الأجهزة الإلكترونية ليس مجرد عادة سيئة، بل هو حالة من الانفصال العقلي والاجتماعي. الأطفال والكبار على حد سواء ينغمسون في هذا العالم الرقمي على حساب واقعهم وحياتهم الاجتماعية. علينا أن ندرك أن هذا الإدمان يشكل خطراً حقيقياً على صحة أطفالنا النفسية والجسدية، يجب أن نبدأ بوضع ضوابط صارمة لاستخدام هذه الأجهزة، وتوعية الأطفال والكبار بخطورة هذا الإدمان، قبل أن نفقد أجيالاً كاملة في عالم افتراضي يبعدهم عن واقعهم وعن إنسانيتهم.