بعد فتح مكة 8هـ -630م، شهد الإسلام انتشاراً واسعاً في جزيرة العرب، حيث أقبلت القبائل على المدينة لالتقاء رسول الله ﷺ، وإعلان إسلامها. من بين هذه القبائل، شجّع أهل البحرين زعماءهم على إرسال وفود تمثلهم في عام الوفود ٩هـ -٦٣١م، الذي يُعد نقطة تحوّل في تاريخهم. وقد تعدّدت أهداف هذه الوفود وفي طليعتها إعلان إسلامهم بين يدي الرسول ﷺ، والتماس دعائه، والاستماع لوصاياه، وإعلان الولاء والبيعة له ولدولة الإسلام، إضافة لتعلّم مبادئ الدين، ومن أبرز هذه الوفود:
وفد قبيلة بكر بن وائل: تُعد من أبرز الوفود التي وصلت إلى المدينة. فقد أرسل النبيﷺ رسالة يدعوهم للإسلام، فاستجابت القبيلة بإرسال وفد يمثلها. وقد تنوّعت شخصيات الوفد، وكان من بينهم عبدالله بن أسود وعبدالله بن مرشد، حيث قدّموا مبايعتهم، وقد أكرمهم النبيﷺ ودعا لهم.
وفد قبيلة تميم: أدّت قبيلة تميم دوراً مهماً في إقليم البحرين قبل الإسلام، وشهدت استجابة كبيرة لدعوة النبيﷺ. قاد وفد القبيلة نحو 90 شخصاً، بما في ذلك وجهاء وزعماء القبيلة من مختلف بطونها مثل عطارد بن حاجب وقيس بن عاصم والزبرقان بن بدر والأقرع بن حابس ومعه عيينة بن حصن اللذان شهدا مع النبيﷺ فتح مكة، وأيضاً حصار الطائف، وقد ألقى عطارد فيها خطبته التي بدأها بشكر الله على نعمه وفضله وحوت افتخاره بمكانة قومه كملوك، وأنهم أعز أهل المشرق، ثم أسلم الوفد وأثنى عليهم النبيﷺ وأكرمهم. هذه الوفادة لم تكن فقط تعبيراً عن الولاء، بل أيضاً عن الرغبة في استثمار القوة الاقتصادية والاجتماعية في خدمة الإسلام. إنّ الخطبة التي ألقاها عطارد تعكس روح الفخر والاعتزاز بالهوية القبلية.
من وفود القبائل إلى قيم التعايش والتعاون والوحدة: تُظهر وفود قبائل البحرين كيف مثّل الإسلام قوة جاذبة تتجاوز حدود الدين إلى تحقيق الوحدة الاجتماعية والسياسية بين القبائل المختلفة. كانت هذه الوفود تعبيراً عن رغبة القبائل في الانتماء إلى جماعة أكبر، حيث اجتمعت تحت راية الإسلام لتشكّل هوية جديدة تجمع بين الأصالة القبلية والقيم الإسلامية؛ ممّا يشير إلى إمكانية بناء مجتمع متماسك قائم على التعاون والاحترام المتبادل. كما تعكس هذه الوفود أهمية القيادة الرشيدة، حيث كان النبيﷺ رمزاً للتوجيه والإلهام.
ومن خلال مبايعة أهل البحرين، لم يقتصر الأمر على إظهار الولاء للنبيﷺ، بل أيضاً على الالتزام بمبادئ العدالة والمساواة، حيث ساهم دخولهم في الإسلام وانضمامهم لدولة النبيﷺ التي شملت سائر نواحي وإقليم الجزيرة العربية في تحقيق التعاون والوحدة وبناء مجتمع متماسك. كما أنّ هذه الأحداث تُبرز كيفية أصبح الدين أداة للتغيير الاجتماعي، إذ أسهمت في إعادة تشكيل الهياكل الاجتماعية والاقتصادية للقبائل.
إنّ تاريخ البحرين الغني بالتفاعلات الثقافية والاجتماعية منذ زمن الوفود الإسلامية لا يزال يؤثر في الهوية البحرينية المعاصرة. واليوم، يتمثل هذا الإرث في التنوع الثقافي والتعايش السلمي بين مختلف الطوائف والأعراق في البلاد في ظل حُكامها من أسرة آل خليفة الكرام. كما أنّ القيم التي زرعها الإسلام من عدل وتسامح لا تزال تشكل الأسس التي يقوم عليها المجتمع البحريني. في ظل التحديات المعاصرة، يمكن استلهام الدروس من تلك الفترة في كيفية تعزيز الوحدة والاحترام المتبادل بين جميع فئات المجتمع، ممّا يسهم في بناء مستقبل مزدهر قائم على التعاون والتفاهم.
* باحثة أكاديمية في التاريخ الحضاري لمنطقة الخليج العربي