فيما يتوجه الناخبون الأمريكيون غداً لاختيار رئيسهم المقبل، يترقب الشرق الأوسط هذه النتيجة بانتظار ملؤه القلق، فقد تكون لمنصب الرئيس الأمريكي القادم تأثيرات مصيرية على المنطقة ربما تتجاوز تأثيره على الداخل الأمريكي نفسه.

هذا الاهتمام ينبع من الأثر العميق الذي تتركه السياسات الأمريكية على استقرار الشرق الأوسط وتوازناته، خصوصاً أن «أمن إسرائيل» يحتل مرتبة عالية في استراتيجيات واشنطن، وهو ما يجعل الرؤية المستقبلية للمنطقة محكومة بقرارات وإجراءات الرئيس المقبل، سواء كان دونالد ترامب أو كامالا هاريس.

إن السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وخاصة في دعمها الثابت لإسرائيل، ليست وليدة اليوم؛ فقد بدأت منذ عقود، مع إرساء استراتيجيات أمنية وسياسية تخدم مصالحها الإقليمية بغض النظر عن تغير الإدارات.

فمنذ اتفاقات كامب ديفيد في سبعينيات القرن الماضي، ثم اتفاقيات أوسلو في التسعينيات، ووصولاً إلى اتفاقيات التطبيع الأخيرة، كانت السياسة الأمريكية ثابتة في نهجها الداعم لإسرائيل وضمان أمنها، مهما تغيرت الوجوه في البيت الأبيض.

لذلك، لا يبدو أن التغيير في الإدارة سيغير شيئًا في هذا الالتزام.فوز ترامب يعني عودة إلى سياسة «الضغط الأقصى» تجاه إيران، وهي سياسة أظهرت بالفعل قدرتها على خلق توترات خطيرة في المنطقة.

قد يسعى ترامب، الذي لطالما اتخذ موقفًا متشددًا من الاتفاق النووي الإيراني، إلى زيادة الضغوط على طهران، وربما يتسابق مع إسرائيل في اتخاذ إجراءات عسكرية ضدها، مما قد يفتح باب التصعيد الواسع.

ترامب سيواصل توجهاته السابقة، حيث شهدنا كيف أدى انسحابه من الاتفاق النووي إلى دفع المنطقة نحو مزيد من الاستقطاب وتعقيد المشهد الأمني.أما إذا وصلت هاريس إلى السلطة، فسيكون هناك توجّه أكثر دبلوماسية، ولكن لن يخرج عن إطار الحفاظ على «أمن إسرائيل».

فإعادة الانخراط في الاتفاق النووي مع إيران ستكون أحد ملامح هذه السياسة، لكن بشروط جديدة، مما يضع الدول العربية أمام معادلة معقدة.

هل ستقبل إيران بهذه الشروط، أم ستشتعل حلقة جديدة من التوترات والتفاوض؟ إن سياسة هاريس قد تبدو تهدئة، لكنها ستبقى محكومة بمنظور يخدم مصالح واشنطن في المنطقة.

المفارقة هنا أن كلاً من ترامب وهاريس يعد ناخبيه بأنهم سيسعون لتحقيق السلام في الشرق الأوسط وممارسة كافة أشكال الضغوط من أجل الوصول إلى حلول للنزاعات القائمة، وفي الوقت نفسه، يطمئنون الإسرائيليين أن الدعم الأمريكي لن يتراجع، وأن أمن إسرائيل سيبقى أولوية أساسية للولايات المتحدة.

هذه الرسالة المتناقضة تعكس السياسة الأمريكية التي توازن بين الوعود الداخلية وتحقيق الأمن الإقليمي بما يخدم مصالح إسرائيل قبل أي شيء آخر.في كلتا الحالتين، يبدو أن مصالح الدول العربية قد تتعرض لضغوط كبيرة، حيث سيظل التركيز الأمريكي على دعم إسرائيل وتثبيت أمنها.

في عهد ترامب، قد نشهد مزيداً من الاتفاقيات الإقليمية، ولكن على حساب القضايا العربية المصيرية مثل القضية الفلسطينية.

أما في عهد هاريس، قد يكون هناك توازن أكبر، لكنه سيكون توازناً لا يضع مصالح العرب في المقدمة إلا بقدر ما يتوافق مع الرؤية الأمريكية.

وفي الختام، نحن كشعوب عربية لدينا يقين بأن كلا الشخصيتين لن يجلبا السلام الحقيقي للمنطقة، بل سيزيدان من معاناتها.

ترامب سيجلب هذه المعاناة بجرعة كبيرة وفي زمن قصير، بينما هاريس ستقدمها في جرعات صغيرة، وعلى مدى أطول.

قد تختلف الوجوه، لكن المعاناة مستمرة، فيما تبقى مصالح الشعوب العربية على الهامش في معادلة تضع «أمن إسرائيل» في الصدارة دائماً.

ومن ينتظر من أي إدارة أمريكية أن تحقق العدالة في الشرق الأوسط كمن ينتظر من الشيطان أن يوقظه لصلاة الفجر.