قبل مدة طلب مني أحد الأصدقاء من الكتاب العرب إبداء رأيي -فيما لا يتجاوز المائتي كلمة- حول مستقبل إحدى «القضايا العربية الحرجة». والموضوع المطلوب تحديداً يدور حول مستقبل أحد تفاصيل القضية التي لم أفكر فيها سابقاً، مما شجعني على الإقدام على دراسة الموضوع والتأمل فيه. وقد اشترط علي الصديق أن أكون متجردة ومتفائلة وأن أبحث عن الفرص التي يمكن من خلالها بناء تصور إيجابي لتجاوز تبعات الأزمة الحالية.
منهجياً، كي تستشرف مستقبل أي قضية سياسية عليك تحليل الواقع جيداً. عليك أن تفرز العناصر الثابتة -التي ستظل مؤثرة لمراحل طويلة في تاريخ تلك القضية- عن العناصر الديناميكية التي قد تحرف مسارات القضية وتغير اتجاهاتها. ومن ثم تضع كل تلك المعطيات في السياق العام المحلي والإقليمي والعالمي للقضية، وتعيد تحليله وفرز ثوابته وديناميكياته. بالتالي تحدد التقاطعات والمفارقات وتحسب حساب المفاجآت. لتتمكن بقدر موضوعي بسيط من طرح تصورات عامة لمستقبل لن تستطيع تحمل مسؤولية الجزم بوقعه. وحالما بدأت العمل في المهمة الموكلة إلي وجدت الأمر ليس بسهولة التوصيف المنهجي الذي ذكرته سابقاً. فلا ثوابت واضحة لتلك القضية، وليس من العلمية التعويل على الشعارات الوطنية أو القومية التي أثبت الواقع أنها صارت في خبر كان، وصارت في مهب المتاجرة العامة للساسة والإعلاميين. والأصعب من ذلك أن المتغيرات الداخلية للقضية ومتغيرات السياق المحلي والإقليمي هي خيوط تتحكم بها الدول الخارجية، وأن ديناميكيتها ترتبط بالتحولات الآنية التي يصعب ضبطها. فالدول الكبرى تغير توجهاتها وتبدل تحالفاتها سريعاً حسب حركة مؤشر بوصلة مصالحها. وهي لا تنتظر طويلاً لتفكر وتخطط. فكل البدائل مطروحة سلفاً ومطروقة وسائل استدراكها.
وجدتني لا أستطيع السيطرة على حيثيات تلك «القضية العربية الحرجة»، فأسماء الشخصيات الفاعلة تبدلت، وأدوار الدول تغيرت، ومصادر الدعم اختلفت، والقرارات الصادرة تناقضت، والتصريحات العديدة من الجهات المسؤولة لا دلالة لها مع المجريات الحقيقية للأحداث. وانتهى بي البحث إلى نتيجة أكيدة ومطلقة ولا يناقضها مؤشر من مؤشرات القضية أو القضايا التي تتقاطع معها، وهو أن المستقبل ليس بأيدينا أبداً، لأن لا خيط مركزياً نقبض عليه ونتحكم بحركته أو نراهن عليه ونساوم عليه، كل خيوطنا، أو أغلبها إكراماً للموضوعية، هي بيد الآخرين. سلمت الصديق تصوراً قلقاً مفاده أن مستقبل القضية غير واضح ومهدد بسبب كثرة المتغيرات وارتباطها بعناصر خارجية تمتلك خيارات عديدة لتثبيت مصالحها لا مصالح القضية العربية، وأن التعويل الوحيد هو على طيبة الشعوب العربية وتسامحها فيما بينها.
ضحك كثيراً وأثنى على التصور بكلمات لا تخلو من المجاملة مدعياً أن التصور استراتيجي حكيم في حين هو يبحث عن قراءة «تكتيكية» أكثر بساطة. كنت أعرف أني خيبت ظنه، ولكن ما حيلتي والواقع يخيب آمالنا نحن الشعوب العربية، والمستقبل يهدد أحلامنا جميعاً؟!
منهجياً، كي تستشرف مستقبل أي قضية سياسية عليك تحليل الواقع جيداً. عليك أن تفرز العناصر الثابتة -التي ستظل مؤثرة لمراحل طويلة في تاريخ تلك القضية- عن العناصر الديناميكية التي قد تحرف مسارات القضية وتغير اتجاهاتها. ومن ثم تضع كل تلك المعطيات في السياق العام المحلي والإقليمي والعالمي للقضية، وتعيد تحليله وفرز ثوابته وديناميكياته. بالتالي تحدد التقاطعات والمفارقات وتحسب حساب المفاجآت. لتتمكن بقدر موضوعي بسيط من طرح تصورات عامة لمستقبل لن تستطيع تحمل مسؤولية الجزم بوقعه. وحالما بدأت العمل في المهمة الموكلة إلي وجدت الأمر ليس بسهولة التوصيف المنهجي الذي ذكرته سابقاً. فلا ثوابت واضحة لتلك القضية، وليس من العلمية التعويل على الشعارات الوطنية أو القومية التي أثبت الواقع أنها صارت في خبر كان، وصارت في مهب المتاجرة العامة للساسة والإعلاميين. والأصعب من ذلك أن المتغيرات الداخلية للقضية ومتغيرات السياق المحلي والإقليمي هي خيوط تتحكم بها الدول الخارجية، وأن ديناميكيتها ترتبط بالتحولات الآنية التي يصعب ضبطها. فالدول الكبرى تغير توجهاتها وتبدل تحالفاتها سريعاً حسب حركة مؤشر بوصلة مصالحها. وهي لا تنتظر طويلاً لتفكر وتخطط. فكل البدائل مطروحة سلفاً ومطروقة وسائل استدراكها.
وجدتني لا أستطيع السيطرة على حيثيات تلك «القضية العربية الحرجة»، فأسماء الشخصيات الفاعلة تبدلت، وأدوار الدول تغيرت، ومصادر الدعم اختلفت، والقرارات الصادرة تناقضت، والتصريحات العديدة من الجهات المسؤولة لا دلالة لها مع المجريات الحقيقية للأحداث. وانتهى بي البحث إلى نتيجة أكيدة ومطلقة ولا يناقضها مؤشر من مؤشرات القضية أو القضايا التي تتقاطع معها، وهو أن المستقبل ليس بأيدينا أبداً، لأن لا خيط مركزياً نقبض عليه ونتحكم بحركته أو نراهن عليه ونساوم عليه، كل خيوطنا، أو أغلبها إكراماً للموضوعية، هي بيد الآخرين. سلمت الصديق تصوراً قلقاً مفاده أن مستقبل القضية غير واضح ومهدد بسبب كثرة المتغيرات وارتباطها بعناصر خارجية تمتلك خيارات عديدة لتثبيت مصالحها لا مصالح القضية العربية، وأن التعويل الوحيد هو على طيبة الشعوب العربية وتسامحها فيما بينها.
ضحك كثيراً وأثنى على التصور بكلمات لا تخلو من المجاملة مدعياً أن التصور استراتيجي حكيم في حين هو يبحث عن قراءة «تكتيكية» أكثر بساطة. كنت أعرف أني خيبت ظنه، ولكن ما حيلتي والواقع يخيب آمالنا نحن الشعوب العربية، والمستقبل يهدد أحلامنا جميعاً؟!