ليس هناك من شك بأن دولة صغيرة ومحدودة الإمكانيات مثل البحرين معرضة لهزات وأزمات سياسية واقتصادية بين فترة وأخرى، لاعتبارات تتعلق بشروط التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا. والواقع المعيش يخبرنا بأن أزماتنا البحرينية كثيراً ما تتعرض للاستثمار من بعض الأطراف لتحقيق طموحات فئوية يكون الشارع وعقول الجماهير هما الأداة الرئيسة لبلوغ تلك الطموحات.
في العقدين الأخيرين تفاقمت الأزمات البحرينية وتعقدت لأسباب عديدة منها، وجود «معامل لإنتاج الأزمات» في البحرين تجتهد بشكل نوعي في توليد الأزمات وتأجيج المواطنين. يقابله ضعف في بعض جوانب الأداء الحكومي وفشل في حل العديد من الأزمات المقلقة للمواطن البحريني. والأزمة الأكثر خطورة التي تواجهها البحرين هي «صناعة الخطاب التصعيدي» من مختلف الأطراف التي تقفز عن أسباب الأزمات الحقيقية وتداعياتها وتتجاوزها إلى عمليات التحريض والترهيب والتشكيك والتخوين، والمتاجرة بكل ظرف بحريني مستجد لخلق حالات من البطولات الكرتونية التي تهترئ مع سقوط قطرات المطر الأولى.
وقد ازدهر الخطاب التصعيدي في ظل تردٍّ مخجل لدور البرلمان ولنوعية النواب التي تفرزها العملية الانتخابية، وفي ظل تفكك الجمعيات السياسية «الهشة الأصل والتكوين»، وتشرذم الحالة الثقافية، وغياب خطير للخطاب الوطني العقلاني المتسق القادر على استيعاب الجماهير المحتقنة والتعبير عنها. لقد ساد الخطاب الفردي العنتري في السنوات الأخيرة الشارع وجيشه، وتمكن من تحويل بعض المشكلات الفردية إلى أزمات جماعية ثم تلبيسها بالقضايا الوطنية. ورافق ذلك زج الوضع الداخلي البحريني في الأزمات الإقليمية وربط مصير البحرين بمصير دول أخرى. وهو ما يدل بوضوح على تلاشي الرؤية الداخلية والمشروع الذاتي وتسليم خيوط ومفاتيح القضايا البحرينية للاعبين خارجيين يبتزون البحرين مع تغير موازين كل حدث إقليمي.
أزمة الخطاب الوطني تكمن في أنه ليس خطاب تملق ونفاق، أو كما نسميه في البحرين خطاب «طبالة» تتصدره شخصيات يعلم الجميع كيف ولدت وكيف أعيد تدويرها، وهو ليس أداة تسلية تديره حسابات مجهولة على «تويتر». كما أنه لا يمكن أن يخرج من على منابر دينية ربما لا تفقه في السياسة إلا مصالحها الشخصية. الخطاب الوطني هو نتاج لثقافة تؤمن إيماناً حقيقياً بالولاء والانتماء واحترام قيم النظام والدولة، وهو نتاج لمشروع وطني متجرد من المصالح الفردية والفئوية ومن الانتماءات العرقية والمذهبية، وقادر على تشخيص الواقع المعقد وبناء فرضيات مستقبلية لتجاوزه. والخطاب الوطني، بطبيعة الحال، يدخل في جدال مع السلطة وربما يدخل في صراع فكري معها. لكنه لا ينجرف إلى التصادم مع مؤسسات الدولة ولا يخرج عن القانون ولا يتحالف مع الأنظمة الخارجية التي تتطاول على سيادة الدولة، ولا يلجأ للمنظمات الدولية التي تفرض أجندتها على الشأن الداخلي للدولة.
صناع الخطاب التصعيدي هم مجموعة من المأزومين والمنتفعين والمتملقين القادرين، بين عشية وضحاها، على القفز من ضفة لأخرى، والتلون من خطاب إلى نقيضه، جرياً خلف مصالحهم. أما صناع الخطاب الوطني فهم قلة من العقلانيين والمنخرطين في مفاصل الدولة والشأن العام والمطلعين على مكامن الخلل في الوضع الداخلي، والذين يحملون هم الإصلاح لغد أفضل تعيشه الأجيال القادمة.
بعض الحل لأزماتنا التي صارت تلهينا ثم ننساها هو الفصل بين الخطابين. وفسح المجال لبلورة خطاب وطني يحمل مشروعاً جماهيرياً يساهم في حل الأزمات البحرينية ويفوت الفرصة على كل متاجر بقضايانا. وهذا يستدعي إضعاف أدوات التشهير والاغتيال المعنوي المتمترسة في ثكنات «تويتر» و«فيس بوك» و«واتساب» التي تتسلط على كل من يطرح نقداً موضوعياً أو يخالفها في منهج التطبيل والتخوين.
{{ article.visit_count }}
في العقدين الأخيرين تفاقمت الأزمات البحرينية وتعقدت لأسباب عديدة منها، وجود «معامل لإنتاج الأزمات» في البحرين تجتهد بشكل نوعي في توليد الأزمات وتأجيج المواطنين. يقابله ضعف في بعض جوانب الأداء الحكومي وفشل في حل العديد من الأزمات المقلقة للمواطن البحريني. والأزمة الأكثر خطورة التي تواجهها البحرين هي «صناعة الخطاب التصعيدي» من مختلف الأطراف التي تقفز عن أسباب الأزمات الحقيقية وتداعياتها وتتجاوزها إلى عمليات التحريض والترهيب والتشكيك والتخوين، والمتاجرة بكل ظرف بحريني مستجد لخلق حالات من البطولات الكرتونية التي تهترئ مع سقوط قطرات المطر الأولى.
وقد ازدهر الخطاب التصعيدي في ظل تردٍّ مخجل لدور البرلمان ولنوعية النواب التي تفرزها العملية الانتخابية، وفي ظل تفكك الجمعيات السياسية «الهشة الأصل والتكوين»، وتشرذم الحالة الثقافية، وغياب خطير للخطاب الوطني العقلاني المتسق القادر على استيعاب الجماهير المحتقنة والتعبير عنها. لقد ساد الخطاب الفردي العنتري في السنوات الأخيرة الشارع وجيشه، وتمكن من تحويل بعض المشكلات الفردية إلى أزمات جماعية ثم تلبيسها بالقضايا الوطنية. ورافق ذلك زج الوضع الداخلي البحريني في الأزمات الإقليمية وربط مصير البحرين بمصير دول أخرى. وهو ما يدل بوضوح على تلاشي الرؤية الداخلية والمشروع الذاتي وتسليم خيوط ومفاتيح القضايا البحرينية للاعبين خارجيين يبتزون البحرين مع تغير موازين كل حدث إقليمي.
أزمة الخطاب الوطني تكمن في أنه ليس خطاب تملق ونفاق، أو كما نسميه في البحرين خطاب «طبالة» تتصدره شخصيات يعلم الجميع كيف ولدت وكيف أعيد تدويرها، وهو ليس أداة تسلية تديره حسابات مجهولة على «تويتر». كما أنه لا يمكن أن يخرج من على منابر دينية ربما لا تفقه في السياسة إلا مصالحها الشخصية. الخطاب الوطني هو نتاج لثقافة تؤمن إيماناً حقيقياً بالولاء والانتماء واحترام قيم النظام والدولة، وهو نتاج لمشروع وطني متجرد من المصالح الفردية والفئوية ومن الانتماءات العرقية والمذهبية، وقادر على تشخيص الواقع المعقد وبناء فرضيات مستقبلية لتجاوزه. والخطاب الوطني، بطبيعة الحال، يدخل في جدال مع السلطة وربما يدخل في صراع فكري معها. لكنه لا ينجرف إلى التصادم مع مؤسسات الدولة ولا يخرج عن القانون ولا يتحالف مع الأنظمة الخارجية التي تتطاول على سيادة الدولة، ولا يلجأ للمنظمات الدولية التي تفرض أجندتها على الشأن الداخلي للدولة.
صناع الخطاب التصعيدي هم مجموعة من المأزومين والمنتفعين والمتملقين القادرين، بين عشية وضحاها، على القفز من ضفة لأخرى، والتلون من خطاب إلى نقيضه، جرياً خلف مصالحهم. أما صناع الخطاب الوطني فهم قلة من العقلانيين والمنخرطين في مفاصل الدولة والشأن العام والمطلعين على مكامن الخلل في الوضع الداخلي، والذين يحملون هم الإصلاح لغد أفضل تعيشه الأجيال القادمة.
بعض الحل لأزماتنا التي صارت تلهينا ثم ننساها هو الفصل بين الخطابين. وفسح المجال لبلورة خطاب وطني يحمل مشروعاً جماهيرياً يساهم في حل الأزمات البحرينية ويفوت الفرصة على كل متاجر بقضايانا. وهذا يستدعي إضعاف أدوات التشهير والاغتيال المعنوي المتمترسة في ثكنات «تويتر» و«فيس بوك» و«واتساب» التي تتسلط على كل من يطرح نقداً موضوعياً أو يخالفها في منهج التطبيل والتخوين.