مرت ذكرى ثورة 25 يناير في مصر باردة فاترة لم يخرج لإحيائها أحد، ولم يهتف بقيامها أحد. مرت كأنها لم تكن، وكأنها لم تهز الوطن العربي كاملاً، وتخلق معادلة جديدة في الأطراف السياسية اللاعبة والحاكمة والمؤثرة. مرت ذكرى يناير جنائزية لثورة أسقطت النظام السياسي ولم تسقط معه أسباب الأزمات المصرية ومآسيها على الشعب المصري.
تحت عباءة الإجماع الشعبي احتشد الناس بالملايين في ميدان التحرير، البعض يقول إن هذا ما أوهم الإعلام به الرأي العام الخارجي وأن الحقيقة شيء مختلف. وتحت عباءة الإجماع الشعبي حدث، ولأول مرة في الوطن العربي، أن تحالفت مكونات متناقضة وغير متجانسة على هدف سياسي واحد. تحالف اليسار واليمين في الخيمة ذاتها. وقف الشباب إلى جانب الشيوخ على الرصيف ذاته. هتف المتعلمون وغير المتعلمين بالشعارات ذاتها. وتصدر المشهد فتية وفتيات أهلتهم رعونتهم وإقدامهم على تغييب الكثير من الرموز السياسية والإعلامية والفكرية التي سار أغلبها خلف حلم الشباب.
نحج ما بدا على الشاشات إجماعاً شعبياً بإسقاط نظام الرئيس الأسبق مبارك، ثم بالأدوات نفسها تم إسقاط الرئيس الذي خلفه محمد مرسي. ولم تتغير الأزمات المصرية بل.. تفاقمت. فإسقاط نظامين بإيديولوجيتين مختلفتين وبتركيبتين سياسيتين مغايرتين لم يغير الواقع المصري. فلماذا إذن قامت الثورة؟ ولماذا إذن يتم الاحتفاء بها؟
ما حدث في وجه من أوجه القضية هو أن العقلية العربية ومنها المصرية اختزلت الأزمات التاريخية للبلدان في شخص الرئيس. فصار إسقاط مبارك هو الحل في مصر، وإسقاط بن علي هو الحل في تونس، فسقط الشخص وبقي النسق الذي أنتجته. والنسق هنا ليس البناء السياسي فحسب، بل البناء الفكري والاجتماعي والثقافي ومراكز القوى الشعبية ومجاميع المصالح المتفرقة في بلداننا.
لذلك فإن مصر وتونس وإن كانتا قد نجتا من الفوضى بعد يناير بسبب عراقة مؤسسات الدولة «الفاسدة»، إلا أن دولاً تفتقد للفكر المؤسساتي ويعج نسيجها الاجتماعي بالمتناقضات قد سقطت في أتون الفوضى المأساوية. وفي مصر وتونس أيضاً فإن لحظات الإجماع التاريخية على اقتلاع شخص لا تعني أن الإجماع موجود بالأصالة في تلك المجتمعات، ولا يعني أن زوال الشخص يعني بدء عهد جديد بعقل سياسي جديد.
ومن أهم أخطاء الثورات الأخيرة أنها حركات عاطفية انفعالية تم شحنها إعلامياً بمضامين غير سياسية وأحياناً غير وطنية. فانتحار البوعزيزي حرقاً ليس حدثاً سياسياً، وقتل الأمن المصري تعذيباً لأحد الشباب المصريين المعارضين ليس حدثاً سياسياً كذلك. إنها جرائم تعالج قضائياً، حتى وإن كانت تعكس أداء سياسياً سيئاً غير أن الانفعال لا يغير واقعاً رديئاً ولا يبني مستقبلاً أفضل. فقد افتقدت كل الحركات السابقة التي أجمعت شعبياً على إسقاط الأشخاص، لمشروع سياسي بديل لسقوط النظام. وتركت الدولة معلقة يتلقفها المتعطش للسلطة الفئوية. فحدث ما يسميه العرب اليوم اختطاف الثورة وتغلب الأجندات الخارجية وغيرها من التفسيرات التي لا تعكس إلا فشل الحركة الانفعالية وخسارتها لحلمها الشبابي.
وبغض النظر عن كيل الاتهامات التي تعرضت لها ثورة 25 يناير في مصر. فهي كانت وليدة أزمات خطيرة مازالت مستمرة وقد فشلت الأنظمة في حلها. لكن الصمت عنها قد يؤهل المصريين لتجاوز النوازع الانفعالية والبحث عن بديل سياسي حقيقي للأزمات المتفاقمة، وإن كان الناس جميعاً قابعون في بيوتهم.
تحت عباءة الإجماع الشعبي احتشد الناس بالملايين في ميدان التحرير، البعض يقول إن هذا ما أوهم الإعلام به الرأي العام الخارجي وأن الحقيقة شيء مختلف. وتحت عباءة الإجماع الشعبي حدث، ولأول مرة في الوطن العربي، أن تحالفت مكونات متناقضة وغير متجانسة على هدف سياسي واحد. تحالف اليسار واليمين في الخيمة ذاتها. وقف الشباب إلى جانب الشيوخ على الرصيف ذاته. هتف المتعلمون وغير المتعلمين بالشعارات ذاتها. وتصدر المشهد فتية وفتيات أهلتهم رعونتهم وإقدامهم على تغييب الكثير من الرموز السياسية والإعلامية والفكرية التي سار أغلبها خلف حلم الشباب.
نحج ما بدا على الشاشات إجماعاً شعبياً بإسقاط نظام الرئيس الأسبق مبارك، ثم بالأدوات نفسها تم إسقاط الرئيس الذي خلفه محمد مرسي. ولم تتغير الأزمات المصرية بل.. تفاقمت. فإسقاط نظامين بإيديولوجيتين مختلفتين وبتركيبتين سياسيتين مغايرتين لم يغير الواقع المصري. فلماذا إذن قامت الثورة؟ ولماذا إذن يتم الاحتفاء بها؟
ما حدث في وجه من أوجه القضية هو أن العقلية العربية ومنها المصرية اختزلت الأزمات التاريخية للبلدان في شخص الرئيس. فصار إسقاط مبارك هو الحل في مصر، وإسقاط بن علي هو الحل في تونس، فسقط الشخص وبقي النسق الذي أنتجته. والنسق هنا ليس البناء السياسي فحسب، بل البناء الفكري والاجتماعي والثقافي ومراكز القوى الشعبية ومجاميع المصالح المتفرقة في بلداننا.
لذلك فإن مصر وتونس وإن كانتا قد نجتا من الفوضى بعد يناير بسبب عراقة مؤسسات الدولة «الفاسدة»، إلا أن دولاً تفتقد للفكر المؤسساتي ويعج نسيجها الاجتماعي بالمتناقضات قد سقطت في أتون الفوضى المأساوية. وفي مصر وتونس أيضاً فإن لحظات الإجماع التاريخية على اقتلاع شخص لا تعني أن الإجماع موجود بالأصالة في تلك المجتمعات، ولا يعني أن زوال الشخص يعني بدء عهد جديد بعقل سياسي جديد.
ومن أهم أخطاء الثورات الأخيرة أنها حركات عاطفية انفعالية تم شحنها إعلامياً بمضامين غير سياسية وأحياناً غير وطنية. فانتحار البوعزيزي حرقاً ليس حدثاً سياسياً، وقتل الأمن المصري تعذيباً لأحد الشباب المصريين المعارضين ليس حدثاً سياسياً كذلك. إنها جرائم تعالج قضائياً، حتى وإن كانت تعكس أداء سياسياً سيئاً غير أن الانفعال لا يغير واقعاً رديئاً ولا يبني مستقبلاً أفضل. فقد افتقدت كل الحركات السابقة التي أجمعت شعبياً على إسقاط الأشخاص، لمشروع سياسي بديل لسقوط النظام. وتركت الدولة معلقة يتلقفها المتعطش للسلطة الفئوية. فحدث ما يسميه العرب اليوم اختطاف الثورة وتغلب الأجندات الخارجية وغيرها من التفسيرات التي لا تعكس إلا فشل الحركة الانفعالية وخسارتها لحلمها الشبابي.
وبغض النظر عن كيل الاتهامات التي تعرضت لها ثورة 25 يناير في مصر. فهي كانت وليدة أزمات خطيرة مازالت مستمرة وقد فشلت الأنظمة في حلها. لكن الصمت عنها قد يؤهل المصريين لتجاوز النوازع الانفعالية والبحث عن بديل سياسي حقيقي للأزمات المتفاقمة، وإن كان الناس جميعاً قابعون في بيوتهم.