يا أم الشهيد طارق الشحي رحمه الله «سكن كل شيء من حولك بعد إعدام الإرهابيين الثلاثة، ولم يستكن الشوق والحنين إلى ابنك الشهيد، ما بداخلك ليس عدم الرضا بالقضاء والقدر، لكنه الرحيل، فهو أمر ثقيل يصعب تحمله، والأيام مليئة بالمفاجآت، الحزن والفرح عطايا من الرحمن، يمكث كلاهما قليلاً وتعود هذه العطايا إلى الله، حاملة معها تفاصيل الصبر، وأحسبك والله بأنك عنوان للصبر والتضحية، ولو كتب للشهيد طارق - رحمه الله - الحياة مرة ثانية، لتمنيتي له الشهادة مرة أخرى ومرات عديدة، لأنك تعلمين يقيناً بأن الشهادة كرامة ومفازة في الدنيا، وفي الآخرة جنات عرضها السموات والأرض، وتعلمين أيضاً أننا إلى الله راجعون ولسنا في هذه الأرض باقين، ولكننا نستطيع أن نختار كيف نموت ومع من نحشر يوم القيامة، وطوبى لمن اصطفاه رب العباد بأن تكون خاتمته في الدنيا بداية لحياة خالدة ومنزلة عالية في الفردوس الأعلى مع الشهداء والصديقين، وطوبى لمن أعطاه الله خصالاً في الآخرة لا تعطى لغيره إلا وهي أن يشفع الشهيد في سبعين من أقاربه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه».

هذه هي الكرامة والعزة، أن يسعد الشهيد في الآخرة مع أهله وأقاربه في الجنة، بعدما جاء الأجل بالرحيل عن هذه الدنيا، وسقط شهيداً بيد الإرهاب، فطوبى لك يا أم الشهيد، إنها البشرى تزف إليك من حديث الرسول الكريم، سيشفع لك ابنك الشهيد طارق الشحي يوم القيامة، ألست أم الشهيد؟ ألست أقرب وأحن وأرحم البشر إليه؟ فابنك ليس ككل الأبناء، لقد تعلم منك الحب ومعنى التضحية وكيف يكون شجاعاً يدافع عن الحقوق ويحمي تراب الوطن، ترعرع على الوفاء وأن يكون رجلاً عربياً شامخاً، اختار أن يكون الابن البار لأهله ولوطنه، ينهل من تضحيته الأجيال المقبلة معنى الشهادة في سبيل الله والوطن، فهو يعلم يقيناً بأنه سوف ينال إحدى عطايا الله، النصر أو الشهادة، فكانت الشهادة نصيبه، هي الشهادة التي تمناها يوماً سيف الله المسلول الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه، وهو على فراش الموت، تمنى أن يموت شهيداً في أرض المعركة، لما في ذلك من كرامة، فهو الذي كست الجروح جسده من أثر السيوف والرماح والسهام، ما هزم في معركة قط، دافع عن الإسلام بكل صدق، ولكنها مشيئة الله أن يموت على فراشه لا في أرض المعركة.

أم الشهيد، ليست كل الأمهات مثلك، هناك أمهات تزجن بأبنائها نحو الإرهاب، تحثهن على أن يصافحوا الشيطان، هناك أمهات لا تزجرن أبناءهن إن حرقوا الوطن أو عاثوا في الأرض الفساد أو أرهبوا الآمنين منا.

أم الشهيد، ليست كل الأمهات يرضعن أبناءهن الحب والأمانة والصدق والكرامة مثلك، ليست كل الأمهات تربين أبناءهن على القيم والمبادئ التي تسمو بها الأوطان، فهناك من ترقص وتصفق للشيطان، وهناك من تهدم عز الأوطان.

أم الشهيد، لا يبكيك الفراق، أليست الأم تسعد لابنها أينما يكون في أي مكان سعيد، وتفرح لفرحه حتى وإن اختار الرحيل، أم الشهيد إنها الفردوس الأعلى التي تطلبينها دوماً له في صلاتك، وحسن الخاتمة التي يلازم دعاءك، لا يحزنك الرحيل فكلنا راحلون، إنما علمي أبناء الشهيد أن أباهم مات موتة الكرامة، علميهم أن التاريخ سيذكره بطلاً من أبطال المسلمين، وبشريهم بأن الناس ستترحم عليه دوماً إلى يوم الدين، اخبريهم عن بطولاته، عن خصاله، عن بره لك، عن خير أعماله، بشريهم يا أم الشهيد، واستبشري بالله خيراً، فابنك عند مليك مقتدر، علميهم أن أباهم كان يدافع عن البحرين، عن كرامة المسلمين، عن كيان دول الخليج، علميهم كيف ترخص الأرواح للذود عن الأوطان، علميهم أن الشهداء لا يموتون بل أحياء عند ربهم يرزقون، علميهم يا أم الشهيد علميهم. رحم الله شهداء الواجب جميعهم وأسكنهم فسيح جناته، وألهم كل من يحبهم الصبر والسلوان.