كان متوقعاً جداً أن يعود دونالد ترامب رئيساً مجدداً للولايات المتحدة، ليصبح ثاني رئيس في التاريخ يفوز بولايتين غير متتاليتين، والتي فعلها قبل ١٣٢ سنة، الرئيس غروفر كليفلاند الذي فاز بالانتخابات عام ١٨٨٤ وعاد بعدها ليفوز بولاية ثانية غير متتالية.
لكن فوز ترامب المتوقع، رغم المحاولات العديدة التي جرت لإبعاده أو إقصائه أو تشويه صورته أو إدخاله في قضايا لا تنتهي، جاء ليثبت فشل الأسلوب الإداري الذي انتهجه الحزب الديمقراطي خلال فترة حكم جو بايدن والتي سيتستمر حتى أداء ترامب للقسم في الـ٢٠ من يناير القادم، حيث قدمت الولايات المتحدة كنظام أسوأ عملية إدارية شاملة بنتائجها المخيبة، في مقامها الأول للشعب الأمريكي، وثانياً للعالم.ليس لأن ترامب أفضل، فقد تمت تجربته سابقاً، بل لأن الطرف المناسب كان أسوأ وبشكل شنيع جداً.
إذ فوز بايدن بولايته الحالية واضح أنه جاء بسبب الرغبة في التغيير، وتجربة شيء آخر بعد فترة ترامب الأولى، لكن واضح جداً بأن الأمريكان وجدوا أنفسهم في مأزق حينما اتضح بأن بايدن قدم أسوأ فترة رئاسية، إذ رغم التراجع الخطير للاقتصاد الأمريكي، والتأثير السلبي على حياة الأمريكان أنفسهم وتفشي الغلاء وزيادة الجريمة وارتفاع نسب المهاجرين غير الشرعيين، إلا أن التعامل مع الملفات العالمية كان ينذر بكارثة كبرى، والدليل ما حصل من مساعي لافتعال حرب صريحة مع روسيا عبر الدعم اللامبرر لأوكرانيا وفق مخطط غريب لا يهم ”المواطن الأمريكي“ بل يغذي المخططات المريضة التي دائماً ما يطالعنا بها الديمقراطيون!
بل ما حصل في الشرق الأوسط والدعم الواضح للجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينين، كان وصمة عار كبيرة في وجه حاكمي البيت الأبيض، وهذا لا يعني بأن ترامب سيكون في اتجاه مختلف بشأن هذا الملف، لكنه يستطيع أن يخفف من الوضع بل يوقفه، وهذا ما يجعلنا نسترجع تصريحاته خلال مقابلته مع قناة العربية، حينما تحدث عن وقف كل هذا التصعيد وإعادة الأمن وحل المشكلات الدولية.
طبعاً كل هذا يجعل العالم يترقب الجديد الذي سيقوم به ترامب في هذا الجانب، بالإضافة للناخب الأمريكي الذي وثق به مجدداً بسبب أفكاره الاقتصادية ووعوده بإصلاح المعيشة والاقتصاد، وخفض الغلاء الذي تمت الدلالة عليه من خلال بيان أسعار السلع الغذائية وكيف قفزت بشكل جنوني، وضرب مثالاً بسعر الدجاجة المثلجة الذي وصل إلى ٢٠ دولاراً وكان قبلها تحت حاجز العشرة دولارات، وطبعاً المقاربة تنطبق على كثير من السلع.
أيضاً من الكوارث التي قامت بها إدارة بايدن هي استعداء القوى العالمية المؤثرة، وأبرزها ما حاولوا القيام به مع الشقيقة المملكة العربية السعودية بشأن النفط وكذلك مساعي السيطرة على الاتجاهات في التعاملات السياسية في المنطقة بالإضافة لمحاولة فرض إرادتهم على السوق النفطي، ولكن الجميل ما قامت به السعودية وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد والذي جعل هذا الحزب ورئيسه ”يتوسل“ حرفياً، نعم يتوسل للسعودية، لكن بعد فوات الأوان.
في المقابلة المذكورة أكد ترامب احترامه الشديد للأمير محمد بن سلمان، وأنه شخص يحبه العالم ويريدون دوماً التعامل معه، وأنه -أي ترامب- يتطلع للتعاون معه بشكل كبير. وهذه النقطة بحد ذاتها لها دلالاتها الإيجابية بشأن التعامل الذي ستنتهجه الإدارة الجمهورية الجديدة مع منطقتنا.
جردة حساب ما فعله الحزب الديمقراطي في السابق عبر الحقب المتلاحقة، تجعل من السهل بيان فشلهم في العمل الخارجي وكذلك تدمير الداخل الأمريكي، وهي النقاط التي ركز عليها ترامب سابقاً، ومكنته من إسقاط هيلاري كلينتون بضربة قاضية مدوية، واليوم نجحت في إسقاط كاميلا هاريس التي حلت بديلاً مخططاً له منذ البداية لبايدن ومن ورائها مستشار الأزمات والمخططات المؤذية باراك أوباما.
يكفي كلام ترامب عن المليارات التي دفعها البيت الأبيض للتدخل في شؤون الدول وإثارة المشاكل، تكفي المليارات الإيرانية المجمدة منذ عقود، والتي أعادها أوباما وأوصلها بايدن بنفسه لإدارة المرشد الإيراني بلا سبب مقنع، فقط لتستغل في برمجة مخططات إرهابية جديدة تضر المنطقة والعالم.
ترامب عاد من جديد، هو بالنسبة لنا أفضل من جوقة بايدن وهاريس وأوباما، وطريقة التعامل معه ستختلف قطعاً عن حقبته الأولى التي بدأت في ٢٠١٦، وهو بالضرورة عليه إدراك أن الوضع أيضاً مختلف اليوم عما سبق.