قامت جريدة البلاد بمبادرة تُشكر عليها، وذلك بدعوة السفراء في البحرين لزيارة لمنطقة صغيرة في المنامة لا تتعدّى بضعة كيلومترات تُعتبر واحةً للتسامح الديني ونموذجاً فريداً يضمّ دُور عبادة لعدّة أديان، حتى تلك التي لا تُعدّ من الأديان السماوية، ومع ذلك وجدتْ لها حضناً آمناً في هذه الجزيرة كي تُمارس عبادتها بحرّية تامّة وتحت مظلّة الدولة وبدون إقصاء مجتمعي.

الإسلام بمذاهبه والمسيحية بمذاهبها واليهودية والهندوسية، كلُّها آمنت في البحرين واطمأنت، ونجحت البحرين في احتضانها دون أن يعترض أيٌّ من المكونات على وجود الآخر، ودون أن يحصُل أيُّ اعتداء من أيٍّ منهم على الآخر، ودون استهجان، فهذا ما ورثناه من أجدادنا نهجاً، وهذا ما رعاه الحكم الخليفي وأبقى على آثاره الموجودة منذ قرون مضت.

فمَنَحَ الأراضي وقدَّمَ المساعدات للبناء، ثُمّ ضَمِنَ الحكم الخليفي طوال فترة حكمه، التي زادت على القرنين، أمن جميع أصحاب الديانات، ووفّرت الحكومات المتتالية بعد انتهاء فترة الاتفاقية البريطانية البحرينية كلَّ وسائل الراحة والحماية لأصحاب تلك الديانات.

هذه المنطقة الصغيرة كانت ومازالت دليلاً على استقرار قِيَم ومبادئ الحقوق الإنسانية في البحرين قبل أن يُصاغ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948.

لذلك، حين تكتب أيٌّ من الدول الغربية تقاريرها الحقوقية لتقييم أدائنا كدولة بدستورها وتشريعاتها وقوانينها وإجراءاتها والخاصة بالتسامح الديني، يجب أن تطلب منّا بعضٌ من تلك الدول أن نُعطي دروساً ونعلّمهم كيف استطاعت البحرين أن تنجح فيما فشلت فيه هي، حيث لا تَطاحُن ولا قتال ولا فتنة ولا إقصاء بين أصحاب المعتقدات المختلفة، تلك نعمة لو تدرون لم تأتِ من فراغ، ولم تترسّخ في الذهنية البحرينية تلقائياً إلا بعد عقود، تلك ثقافة تساهم في تكوينها الدولة بجميع عناصرها، منها الطبيعي كالجغرافيا الموقع والتكوين، ومنها ما هو من صُنع الإنسان كالنظام السياسي والاجتماعي الذي تراه الدولة.

إذاً، بعد أن سبقناهم إنسانياً في خُلوّ تاريخنا وحاضرنا -ولله الحمد- من أيِّ ممارسات عنصرية مقيتة كالتي وُجِدت عندهم، فلم ننظر لألوان البشر على أنها أمرٌ يميز أحداً على أحدٍ أو يُعطي حقوقاً لأحدٍ على حساب أحدٍ، فلم نرَ لا آباءنا ولا أجدادنا ولن نرث بالتالي أيّاً من تلك الممارسات اللاإنسانية كما حصلت في دولهم، تأتي قيمة إنسانية أخرى وهي التعايش والتسامح ليكون لنا فيها السَّبْقُ واليدُ الطُولى، وتشهد بذلك دلائل حيّة باقية إلى اليوم تتمتع بما ضمنته مملكة البحرين.

ألا ما أروعَنا وما أجملَنا وما أقيمنا، وآن لنا أن نمُدَّ رجلينا.