في ظل المنافسة الحادة بين وسائل الإعلام الجديدة والتقليدية، تراجعت الأخيرة خاصة الصحف الورقية والإذاعة المسموعة عن مكانتها التي تبوأتها عقوداً طويلة -لا لعيب فيها- إنما لتغيّر أمزجة الجمهور، وما أتت به الوسائل الجديدة من عوامل جذب وإبهار، تفاعلية وتخصيصية، حتى بات تراجع الوسائل التقليدية ظاهرة كونية لم يُستثنَ منها إلا عدد قليل من الدول يُعدّ على أصابع اليد الواحدة.
إنني من المستمعين لإذاعة البحرين ومن المحبين لها، لما تحققه لي من فوائد، ولما ألمسه من جهد كبير يُبذل في إنتاج وتقديم محتواها، في كل محطاتها سواء إذاعة البحرين، أو بحرين FM، أو إذاعة القرآن الكريم، أو الإذاعة الطربية، أو الإذاعة الشبابية، أو الإذاعة الشعبية، وكلُّها ذات محتوى راقٍ ورفيع، يجذب السامعين ويقدّم لهم تنوّعاً كبيراً في المحتوى بأسلوب شبابي جذّاب.
تُقدّم إذاعة البحرين -على سبيل المثال لا الحصر- برامج هادفة وقوية مثل برنامج الأمن الإذاعي كل خميس، الذي يُقدّم زاداً وافراً من التوعية والتثقيف الأمني للمواطنين، في كل مجالات الحياة، بدءاً من الوقاية في المنازل والمباني، ومروراً بالحملات التفتيشية ضد المخالفين للقانون وتقديم الإرشادات والتوعية المرورية، وانتهاءً بالتطرّق للموضوعات المعاصرة التي يهتم بها الناس في كل دول العالم، ومن بينها كيفية تجنّب مخاطر التطبيقات الإلكترونية والألعاب الرقمية على الأطفال، والتي تتسلّل إليهم بأساليب خطيرة لكي تسيطر على عقولهم وتضرّ بهم وبمجتمعهم، ويُقدّم البرنامج معالجة حكيمة وعاقلة تُرشد أولياء الأمور لكيفية التعامل مع مثل هذه الظواهر الوافدة.
هذا بالإضافة إلى البرامج التي تُقدم محتوى اجتماعياً وتاريخياً وسياسياً، حيث تعرّف المستمع بتاريخ البحرين وجذور الأحداث والأشياء، ونظام الحكم الحديث في البحرين وتأسيس الدولة المدنية بالمعنى الحضاري الحديث بكل مؤسساتها، والتعريف بالمشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، الذي قفز بالبحرين إلى مصافّ الدول المتقدّمة عبر تأسيس مملكة دستورية، امتلكت تجربة برلمانية متميزة في المنطقة، وبنية تحتية أُسست وفقاً للمقاييس العالمية، كما تُقدّم الإذاعة برامج ثقافية متعددة تُقدّم للمستمع إطلالة وافية على الشعر العربي الفصيح والشعر النبطي، وبرامج رياضية تعرّفه بالمسابقات المحليّة في الدوري والكأس والأندية واللاعبين، وتحكي للمستمع ذكريات وسِيَر السابقين في المجال الرياضي، بجانب الدراما الإذاعية التي تتطرّق للحياة المحلية القديمة والمعاصرة والتي تناقش القضايا والمشكلات الاجتماعية المحلية في قالب درامي جذّاب يرفّه المستمع ويفيده في أنٍ واحد.
إن الاستماع للإذاعة له فوائد مباشرة وأخرى طويلة المدى، لعلّ من أبرز هذه الفوائد المباشرة أنها تزيد من قدرة الشخص على التركيز والانتباه، كما أنها تجعله أكثر عمقاً في التفكير في المشكلات، وتُبعده عن التسرّع والسطحية في إدارة الأمور، هذا إلى جانب أنها تقلّل من مساحات الاندفاع والعنف في الحوار مع الآخرين لأنها تُدرّب المستمع مع مرور الوقت على الاستماع للآخرين، واكتساب مهارة الإنصات في الحوار، وبالتالي تُسهم في خلق أشخاص أكثر انفتاحية وحرّية وإيماناً بديمقراطية الحوار وتَقبُّل الرأي الآخر.
أما فوائد الاستماع للإذاعة على المستوى الأوسع وغير المباشر، فمن بينها، أنها تغرس في الفرد قِيَم المُواطَنة والانتماء والولاء، وتجعله معتزّاً وفخوراً بحضارته وتاريخه وقيادته الحكيمة، إلى جانب أنها أداةٌ من أدوات مواجهة الغزو الثقافي، وآليةٌ مهمّة للحفاظ على هويته العربية والإسلامية التي شكّلت في مجملها ذاتية المواطن على هذا الأرض الطيبة، والتي نَصَّ عليها دستور مملكة البحرين الصادر 2002 في مادته الأولى.
إنني أدعو كلَّ أبٍ وكل أُمٍّ، أن يستمع للإذاعة الوطنية وحثّ أبنائه على الاستماع إليها، ولو ساعة في اليوم، سواء وهم في سياراتهم أو أثناء توجههم لعملهم ودراستهم، أو حين تكون الأُمُّ في بيتها أو مطبخها تُعدُّ شيئاً ما، أو في أيِّ وقت يناسبهم، فأثير الإذاعة لا يتوقّف على مدار اليوم، ولاشك أنها ستكون تجربة مفيدة ومسلّية للجميع في آن واحد.