حينما تُترك بعض الأمور دون وضع النقاط على الحروف عليها، هنا نسمح للجدل أن يبدأ، ونترك مساحة كبيرة لخيالات واسعة لتفترض وتؤول وترسم سيناريوها، أغلبها يثير القلق لدى الناس، ويشعل «بلبلة» في الشارع.حينما ندرس الطلبة فنون الإعلام ونعقد المقارنات بين الإعلام في ثوبه التقليدي القديم، وما تبدل عليه من دخول لوسائل التواصل الاجتماعي، ومزاحمة الفرد العادي للمتمرسين في الإعلام والصحافة في عملية نشر الأخبار والمعلومات، فإن هناك هامشاً كبيراً لنشر الإشاعات أو الأخبار المنقوصة أو الأنباء غير المُتأكد منها، وهنا يكون المتأثر هو الشارع نفسه. تخيل خبرا غير مكتمل الأركان، أو معلومة مجتزأة ترتبط بحياة الناس أو أمور هامة ينتظرونها، تخيّل ماذا يمكن أن تفعل بهم؟! تخيّل حجم اللغط و«البلبلة» التي قد تشعلها في الأوساط المجتمعية، وتخيّل حجم «الصداع» الذي سيُصاب به أي جهاز أو قطاع يعمل في هذا الموضوع، إذ هل سيواصل عمله بصمت حتى ينجزه، أو ينشغل بالردّ وتصحيح المغالطات؟!نشر المعلومات ليس «ترفاً»، بل عملية تستوجب تحمّلاً للمسؤولية وتفرض التزاماً بالأدبيات والمهنية، بحيث تقدّم المعلومة كاملة وبشكل شفاف وصادق للناس، خاصة إن كانت معنية بالناس. وهنا علينا تذكُّر النقطة الأساسية المتمثلة في الهدف الأسمى من الحراك الحكومي والمجتمعي، وهو تحقيق الرضا لدى المواطن، وتلبية رغباته، وحلّ مشاكله ومؤرّقاته.كثيرة هي الأمثلة والشواهد على أخبار ومعلومات تنشر، أو بالأصح «رتوش» أخبار لم تكتمل أركانها، أو «أشباه» معلومات بالنظر لنقصانها وعدم دقتها، وفي المقابل كم تسبّب ذلك في إشاعة لغط وتسبّب في إرهاق الناس وإدخالهم دوامة تفكير وقلق وخوف؟! هناك شواهد عديدة للأسف، وكأننا بتنا نعيش في أوساط تبحث عن الإثارة فقط، أو السبق بأسلوب «كيفما اتفق»، والتأثير على الناس لا يهم أحداً.لذلك الحكومة أدركت من جانبها أهمية ذلك منذ فترة، وعليه كان التوجّه واضحاً وصريحاً نحو «توحيد الخطاب الإعلامي» وتكليف مركز الاتصال الوطني بالمسؤولية، بحيث يكون هناك تنسيق مع الجهات بشأن المعلومات المقدّمة والأخبار المنشورة بما يتوافق مع عمل الحكومة ويكون ضمن إطار الرؤية الاقتصادية، وهي مسألة لها مؤشراتها الإيجابية بالضرورة.لكن التحدي يكون هناك عبر تقديم المعلومات الصحيحة والردّ على أية مغالطات أو إشاعات أو تصريحات غير دقيقة تصدر من جهات مختلفة، وأن يكون ذلك بطريقة سريعة وحاسمة حتى نمنع أي فرصة لإثارة المجتمع وإدخاله في أجواء من اللغط، أو الالتهاء بأمور قد تكون قيد التفكير والدراسة وقد لا تجد لها طريقاً للتطبيق لأن إخضاعها للدراسة يكشف عدم جدواها، أو يبيّن عدم مواءمتها مع متطلّبات الناس. البعض لديه المساحة المُتاحة للتصريح والنشر، ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى الصحف أوساط تهمها المعلومة والسبق، وأيضاً دون نسيان عامل الإثارة، وقد لا تُلام على ممارسة دورها بأي صورة كانت، لكن اللوم يقع على من لا يدرك بأن كشفه لمعلومات غير مكتملة، أو مشاريع قيد الدراسة، أو أفكار مازالت مجرّد أفكار، لا يدرك بأنه سيشغل الناس بالقلق والتفكير والتحليل بأمور قد لا تحصل أبداً، أو يُدخلهم في توجّسات دون أن يعرفوا كافة المعلومات بشأن موضوع ما.هنا تذكّروا كم حالة مشابهة مرّت عليكم، لأمور نُشرت عنها معلومات، تسبّبت في إثارة المجتمع، واتضح بعدها أن المعلومات منقوصة، وأن المقصد منها مغاير تماماً، بل كم منها لم نرَ له أثراً بعدها، ولم يحصل إطلاقاً؟!استقرار المجتمع ذهنياً وفكرياً مرتبط بتقديم المعلومات الصحيحة بشكل صادق وشفاف وبطريقة يستوعبها ويدركها الجميع. وهنا الأفضل ترك التصريح والإفصاح والكشف والإخبار عن هذه الأمور للمسؤولين عنها، ولمن يكونون مساءلين عنها.