تشرّفت بالمشاركة في مؤتمر دبي الدولي للمكتبات، والذي نظّمته مكتبة محمد بن راشد تحت شعار «مكتباتنا الماضي والحاضر والمستقبل»، كنت على يقين أن هذه التجربة ستكون مصدر إلهام وفرصة للتعرّف على أبرز الممارسات في عالم المكتبات، فالمؤتمر الذي جمع أكثر من 60 متحدثاً من 25 دولة كان أشبه بجسر يربط بين الماضي العريق للمكتبات ومستقبلها الرقمي الواعد، ولم تكن أسماء عادية تلك التي التقطت الميكروفونات وبدأت بالحديث، ولم يكونوا مجرد أكاديميين ومنظّرين، بل كانوا شخصيات مرموقة ذوات خبرة أكاديمية وعملية وعصارة تجارب حياتي في أعرق المكتبات العالمية.
لقد كانت مشاركتي كممثل لجمعية تاريخ وآثار البحرين، تجربة غنية بالمعرفة والتفاعل، فبجانب اللقاءات الكبيرة، تناولت جلسات المؤتمر موضوعات متعددة بداية من التحوّل الرقمي إلى إعادة تعريف دور المكتبات كمراكز معرفية تجمع بين الثقافة والتكنولوجيا، وهذا التنوع في الطرح يعكس التحولات الكبيرة التي يعيشها قطاع المكتبات، والتي تتطلب منا التفاعل مع العالم بطريقة مختلفة وأكثر ابتكاراً، والنظر بشكل أوسع وأعمق لمفهوم المكتبة.
ما استوقفني في هذا المؤتمر هو كمية الأفكار الملهمة التي يمكننا تطبيقها في مكتبة جمعية تاريخ وآثار البحرين التاريخية، فبعد حديثي مع بعض المحاضرين خلال الجلسات واستراحات القهوة أدركت أن دور المكتبات لم يعد يقتصر على كونها مستودعاً للكتب، ومرجعاً للباحثين، بل أصبحت مراكز تفاعلية للتعلم والإبداع، إضافة لورش النقاش المباشر مع مختلف الشرائح، ومن هذا المنطلق سنسعى في جمعية تاريخ وآثار البحرين لتبنّي توصيات المؤتمر لتطوير مكتبتنا التاريخية الغنية، وتحويلها إلى مركز معرفي رقمي يخدم الباحثين والمهتمين بالتاريخ والثقافة.
إن تعزيز المكتبة بوسائل رقمية متطورة وربطها بالشبكات العالمية سيجعلها نافذة تُطلّ منها البحرين على العالم، وفي الوقت نفسه تُبرز للعالم إرثنا الثقافي الغني، ولن يكون هذا التحوّل مجرّد تحسين تقني، بل خطوة نحو تعزيز مكانة الجمعية كمنارة للبحث العلمي والتاريخي في المنطقة.
إن المشاركة في مثل هذه الفعاليات ليست ترفاً، بل هي واجب ومسؤولية، فهذه المؤتمرات تتيح لك التواصل مع الخبراء والأكاديميين والمختصين، وتبادل الأفكار، واستيعاب أحدث التقنيات، وهذه العوامل أساسية لتحقيق أي نقلة نوعية في أي مؤسسة، ونحن في الجمعية عازمون على أن تكون مكتبتنا مثالاً يُحتذى به، ليس فقط في البحرين، بل على مستوى العالم العربي.
كانت الجلسات المتنوعة غنية بالمضامين التي تعكس التحديات والفرص التي تواجه المكتبات في العصر الحديث، بدءاً من جاهزية المكتبات لمواجهة التحديات المستقبلية، مع مناقشة قضايا الوصول المفتوح إلى المعلومات، وتعزيز الابتكار من خلال المكتبات الأكاديمية، كما شدتني إحدى الورقات المتعلقة بدور المكتبات في الحفاظ على التراث الثقافي، ومكافحة تهريب الآثار، ودعم اللغة العربية، ولا يمكن إغفال النقاش حول دور الذكاء الاصطناعي في قطاع المكتبات، حيث مثّل النموذج الإماراتي بمكتبة محمد بن راشد نموذجاً ملهماً ورائداً في هذا القطاع.
ومع عدة نقاشات مع هذه الشخصيات أصبحت أؤمن أن الاستثمار في المكتبات هو استثمار في مستقبل الأجيال، ومع التزامنا بتطبيق أفضل الممارسات الدولية، ستظلّ مكتبة الجمعية التاريخية نبراساً يُضيء درب الباحثين والمثقفين في البحرين وخارجها.