تُعد البحرين من أهم المناطق الاستراتيجية التي شهدت حراكاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً كبيراً خلال العهد الراشدي، ولعبت دوراً مهماً في استقرار الدولة الإسلامية، وكانت ركناً أساسياً في توحيد الدولة ووحدتها دينياً وثقافياً وسياسياً، بالإضافة إلى ذلك كانت هذه المرحلة حاسمة في تشكيل هوية البحرين الإدارية إذ كانت إدارياً تتبع بشكل مباشر مركز الدولة في المدينة، ويتم تعيين ولاتها وعمالها من قبل الخلفاء الراشدين، وقد تحمّل ولاة وعمال البحرين مسؤولياتهم في ظل التحديات السياسية والاجتماعية. حيث يعكس تاريخ البحرين في العهد الراشدي نموذجاً لنظام الإدارة المركزية الذي كان سائداً في ولايات ونواحي الدولة، ويُظهر كيف ساهم هؤلاء الولاة في توسيع الفتوحات وخدمة الدين الإسلامي وتعزيز عروبة ووحدة المنطقة.ولاة البحرين: إدارة وإرادة: كان العلاء الحضرمي أول والٍ للبحرين، عيّنه الخليفة أبو بكر الصديق، وأُوكلت له مهمة محاربة المرتدين وإدارة البحرين. عُرف العلاء بشجاعته وقدرته على القيادة، حيث تمكّن من تحقيق نجاحات في تثبيت دعائم الدولة العربية الإسلامية في البحرين. بعد العلاء، تولى قدامة بن مظعون الولاية، تلاهأبو هريرة الدوسي والياً على البحرين، وكان له دور بارز في الفتوحات. حيث عمل كمعاون للعلاء ثم لقدامة، واستمر في تعزيز جهود نشر الإسلام في المنطقة. فقد كانت فترة حكمه مهمة لإدارة الأمور الداخلية وتعزيز العلاقات مع القبائل المحلية.تلاه عثمان بن أبي العاص الثقفي، الذي عُرف بحكمته وأمانته، حيث عُيّن من قبل الخليفة عمر بن الخطاب. تولى عثمان الولاية على البحرين وعُمان، ونجح في قيادة الحملات البحرية لفتح بلاد فارس، حيث تضافرت جهوده مع والي البصرة ليتمكن المسلمون ومن خلال تنسيق الفتوحات ونشر الإسلام بحراً وبراً في الضفة الشرقية للخليج العربيّ وفي جنوب وغرب بلاد فارس، ممّا زاد من انتشار الإسلام واتساع نفوذ الدولة العربية الإسلامية. ومثّلت إدارته علامة فارقة في تاريخ البحرين في العهد الراشدي ساهمت في ترسيخ نشر الإسلام وتعزيز مكانة وقوة الدولة.وفي سياق الإدارة الفعالة، جمع عبدالله بن عامر بن سوار العبدي بين ولايتيّ البصرة والبحرين في عهد الخليفة عثمان بن عفان، حيث كانت هذه الخطوة استراتيجية لتوحيد الجهود العسكرية وإدارة الموارد بشكل أفضل. خلال فترة حكمه، حقق العديد من الفتوحات المهمة في بلاد فارس، مثل فتح خراسان ومرو وكرمان، ويعكس ذلك التنظيم والتنسيق في إدارة عملية الفتوحات إذ كانت تسير وفق خطة متكاملة وأهداف استراتيجية تهدف لنشر قيم الإسلام والثقافة والحضارة العربية الإسلامية.وفي عهد الخليفة علي بن أبي طالب عُيّن عمر بن أبي سلمة المخزومي والنعمان بن العجلان ثم ضمت البحرين إلى ولاية عبدالله بن العباس. تُظهر هذه الأحداث المتعاقبة كيف أن التحديات السياسية والاجتماعية كانت جزءاً لا يتجزأ من تجربة البحرين في تلك الفترة.إرث القيادة في البحرين: يُظهر تاريخ البحرين في العهد الراشدي أهمية القيادة الرشيدة والإدارة الثاقبة. حيث كانت البحرين مثالاً حياً على أهمية القيادة الفعالة في مواجهة التحديات، فقد كان الولاة يمثّلون تجسيداً للطموح الإسلامي في نشر الدين وتعزيز الوحدة العربية بين القبائل، فقد ساهمت إدارتهم في تأسيس هوية البحرين كجزء من الدولة الإسلامية الكبرى، حيث كانت الفتوحات والإدارة الحكيمة عنصرين أساسيين في تعزيز الاستقرار والنمو. إنّ استلهام الدروس من تلك الحقبة يمكن أن يساهم في بناء مستقبل أكثر إشراقاً للبحرين، حيث تظل القيم التي سادت في الماضي مصدر إلهام للحاضر. إنّ البحرين اليوم، بفضل تاريخها الغني وقيادتها الرشيدة وخططها الاستراتيجية وإدارتها الناجعة ، تسعى للحفاظ على تلك القيم وتأصيل الهوية الوطنية، وتعزيز الاستقرار والوحدة ونشر التعايش وتحقيق التنمية، ممّا يجعلها نموذجاً يُحتذى به في الحكمة والإدارة ويعزز من دورها في التاريخ الإقليمي والدولي.* باحث في التاريخ وأكاديمي