ونحن نتابع المشهد السوري نقف كثيراً عند حجم التدخلات الأجنبية المتقاطعة والتي تغازل جميعها تطلّعات الشعب السوري وتدّعي كلٌّ منها أنها هي من سيحقّق للشعب تطلّعاته، بالرّغم من أن تلك القوى متنازعة المصالح متناقضة الأهداف مما ينبّئ عن صراعات قادمة نسأل الله أن يجنّبها الشعب السوري، فكان الله في عون هذا الشعب وأنقذه مما يُحاك له.

وهذه واحدة من اللحظات التي نستذكر فيها قبل 25 عاماً كيف بادر جلالة الملك حفظه الله بنفسه بإعادة المنفيين وبيّض السجون وطرح ميثاقاً وطنياً وجمع الشعب على كلمة واحدة وألّف بين قلوبهم، فلا ننسى ذلك أبداً ونحن نرى الفرصة التي أضاعها النظام السوري وكانت بين يديه بل وعُرضت عليه لكنه كابر ورفضها.

إن حكمة جلالة الملك حفظه الله يجب أن تكون حاضرة في أذهاننا كلما شهدنا مآلات الدول والأنظمة والشعوب، لذلك أعجبتني ولفتت انتباهي عبارة وردت في كلمة معالي وزير الداخلية التي استذكرت تلك الحكمة والمبادرة الملكية لا في مناسبة يوم الشرطي فحسب، بل بمناسبة ما يجري حولنا أيضاً وعلاقته بالأمن الذي استتبّ على يد رجاله وبالتطور الذي وصلت إليه البحرين في الملف الحقوقي جنباً إلى جنب مع الأمني.

قال معاليه: "لقد شهدنا معاً انطلاقة المشروع الإصلاحي الذي أرساه بإرادة وطنية حرّة سيدي حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه والذي رسّخ الانفتاح السياسي وعزّز قيم التسامح والثقة والاحترام الوطني وتوفير حياة كريمة للمواطنين في مجتمع يسوده الأمن والأمان بمشاركة جميع أبنائه من أجل رفعة شأن الوطن وتقدّمه وازدهاره".

ليس من السهل أبداً أن تُعادل بين طموحات الشعب ورغبته في المشاركة وأن يكون صاحب قراره وبين تعدّدية كما هو نسيج الشعب البحريني المتنوع الأطياف، وفي ذات الوقت يسود الأمن في الدولة وترقى منظومة حقوق الإنسان معاً بتشريعاتها ومؤسساتها، هذه الخيوط متشابكة معقّدة تتعارض أحياناً مع بعضها بعضاً وتحتاج إلى حكمة قيادية فذّة ورجال يلتقطون ويلمسون روح المشروع الإصلاحي وميثاقه الوطني لإنفاذه، وتتكشّف لنا صعوبة بل أحياناً استحالة الجمع بين تلك الخيوط ونحن نرى دولاً تتخبّط وتبحث لها عن أرضية مشتركة يجمعها علم واحد ودستور واحد ونظام واحد، نرى شعوباً تتوسّل أُسساً "لدولة" من بعد عقود ضعفت فيها مؤسساتها وأنظمتها حتى أصبح المواطن فيها يبحث عن السلام والخبز، لا لفقر في مواردها إنما لافتقاده لأبسط أُسسها.

لذلك أن يكون حاضراً في ذهننا دوماً كما جاء في كلمة وزير الداخلية أن المشروع الإصلاحي جاء بإرادة ملكية خالصة جنبتنا المآسي وسارت بنا في عواصف عاتية بهدوء وسلاسة حين دعا أبناء الشعب البحريني لصيغة الميثاق الوطني ويصوّت عليه.