دائماً ما أقول إن البحرينيين بحاجة دائمة إلى "نقطة تجمع" يلجأون لها حين يبحثون عن قواسمهم المشتركة تصهر مختلف مشاربهم في بوتقة بحرينية، وتكون لهم ملجأ يحتمون بها من عواصف التفرقة والخلافات تذكرهم بأيامهم الحلوة وما أكثرها ولله الحمد.

"سوق المنامة" كانت واحدة من نقاط التجمع البحريني لأنها كانت محط رجل لجميع أهل البحرين، قبل أن توجد المجمعات التجارية، فلا حاجة من حوائج البيت والمناسبات تقضى إلا في سوق المنامة، أياً كان موقع سكنك إلا أن سوق المنامة لبى جميع احتياجاتنا طوال حقبة زمنية، ولابد أن يكون لأي بحريني ذكرى في تلك السوق ساكناً لمدينتها أو زائراً لشراء حاجة أو تاجراً وصاحب "لحفيز" فيها، نقطة التجمع البحرينية هي المنطلق الذي تلخصت حوله فكرة "ريترو المنامة"، فكرة بديعة خاصة أن اختارت حقبة زمنية لأبنائنا نصيب الأسد فيها، فهي جمعت ما تحمله ذاكرة المكان من فترة الستينات إلى التسعينات، هنا كبروا هنا أكلوا هنا اشتروا هنا باعوا هنا تحلقوا حول النافذة الفضية الصغيرة المسماة تلفاز وهنا ألحان مازالت الألسن ترددها للعصر الذهبي للدراما البحرينية.

ليس هناك بحريني لم يزر هذا الدكان أو ذاك في المنامة، وليس هناك بحريني لم تخزن ذاكرته الطعامية نكهة من هذا المطعم أو ذاك، وليس هناك بحريني لم يتابع إنتاجنا الدرامي لذا كان "ريترو المنامة" نقطة تجمع للبحرينيين بكافة فئاتهم وشرائحهم وألوانهم وأطيافهم.

هذا عن الفكرة ماذا عن التنفيذ؟ التنفيذ كان بحرينيا بجدارة فأكثر من 50 شاباً وشابة بحرينيين عملوا على العمل - تم تصميم كتابة واجهات المحلات والرسمات عن طريق رسامين شباب بحرينيين - ⁠جميع العروض الفنية والمشاركات من تقديم بحرينيين - ⁠تم إعادة إحياء أكثر من 30 محل وتصميم واجهات وإنارة وأرضيات وجداريات وتأثيثهم بشكل كامل ومميز - ⁠تم العمل على هذا المشروع في شهر واحد والتنفيذ في ٣ أسابيع فقط - ⁠عدد البحرينيين المشاركين في التنظيم والأمن أكثر من 100 بحريني ⁠وجميعهم بحرينيين بما فيهم الحراسة، ألا يفرحك هذا الإنجاز في هذه الفترة القياسية ويظهر لك حجم البحرين في قلوبهم، وأنه لولا هذا الحب لما استطاعوا أن ينجزوا في تلك الفترة الزمنية وبتلك التكلفة المتواضعة، أنه بحجم السماء ذلك هو حب البحرين.

أتعرفون ما هو مورد البحرين السياحي الأول الذي لا ينضب والذي له نكهته الخاصة وسط المنطقة؟

إنهم أهلها فنحن مورد البحرين السياحي، الناس تأتي لتلتقي بنا لتستمع للهجتنا لتشاركنا فرحتنا لترتوي من الأصالة التي مازالت حية وموجودة في بحريني يسير على هذه اليابسة أياً كان عرقه ودينه ومشربه، كل شبر من أرضنا محفوظ بأصالته المعتقة، بيوتنا احتفظنا بها ودكاكيننا وأسواقنا ومطاعمنا عرفنا قيمة ما نملك فلم نفرط به.

هذا ما يميز سياحتنا فلنستثمره ونستثمر فيه لذلك نأتي أخيراً لذات الطلب الذي تمنيناه لـ"ليالي المحرق" ولـ"القرية التراثية"، وكذلك لـ"سوق المزارعين" أن توفر الميزانية لبقاء تلك الفعاليات طوال أشهر السنة التي يمكن للزائر أن يتمتع بجوها المعتدل وهي فترة تصل إلى ستة اشهر من منتصف نوفمبر إلى منتصف مايو، لابد لهذه الفعاليات أن تستمر أو على الأقل في أيام العطل والأعياد وآخر الأسبوع.

وهذه نبذة عن عوائد أسبوع واحد من "ريترو المنامة" كي تعرفوا قيمة الاستثمار في هذه الفعاليات

بالنسبة للمحلات وصلنا feedback من المحلات: - بعنا الي ما بعناه في سنة - ⁠أنا كانت عندي توقعات للمبيعات بس ما توقعت بطلعها من أول يوم فقط - ⁠فتحتون لي باب رزق ما توقعته والحين إن شاء الله قررت أفتح محل - ⁠أول مرة أحد يستقبل مشروعي القديم في فعالية والمبالغ الي طلعتها كبيرة الحمدلله - ⁠الشاورما تخلص من ٧:٣٠ - ⁠الدونت كل يوم نسوي refill ٥ مرات - ⁠وغيرها من ردود الفعل والمبيعات.

أما أهل المنامة فقالوا: - صرنا كل يوم نطلع من بيوتنا مشي ونجي وأول مرة نشوف المنامة فيها روح السعادة - ⁠احنا عدنا محلات ذهب في شارع بعيد عن الفعالية بس ماتتصورون شكثر السوق انتعش كله.

من أجمل ما سمعت أنا تعليق أحد الخليجيين على "ريترو المنامة"، "الفعالية جميلة ولكن الأجمل منها هو شعب راقي رغم الزحمة لا صراخ ولا فوضى ولا هواش شعب منضبط جميل رقيه في أصالته واحترامه للقوانين".

وقال آخر "جميل هذا التنوع في اللهجات البحرينية إنما الأجمل أن الابتسامة صاحبت كل تلك التنوعات والفرحة شملت الكل بلا استثناء".

"شتبون بعد" انتعاش اقتصادي على جميع المستويات اللهم أدم أفراح البحرين وأطل من عمر هذه الأنشطة فقد كانت لنا نقطة تجمع نشطت الدورة الوطنية في عروقنا.