بعد اتفاق غزة بمرحلته الأولى بدأت ملامح واضحة بأن الولايات المتحدة الامريكية ترسم لعهد جديد لها في الشرق الأوسط، وبمعايير ووجهة نظر اقتصادية بعيداً عن أي منطق قومي أو عربي.

فالتصريحات الاستفزازية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير غزة، هي بالواقع ليست بجديدة ولكن هو ينظر إلى أن عملية التهجير هي الحل السحري لإزمات الشرق الأوسط على اعتبار أن القضية الفلسطينية هي معطل أساسي لخطط الهيمنة الأمريكية من جانب ومن جانب آخر يؤخر اندماج إسرائيل أكثر مع دول الجوار لتشكيل تحالف إقليمي لمواجهة إيران مستقبلاً.

في المقابل، شرعت الدول العربية وفي مقدمتهم مصر والمملكة العربية السعودية والأردن إلى إصدار بيانات ترفض هذه الأفكار التي تعتبر انتهاكاً واضحاً للمعايير الأممية وأضف إلى أنها تمثل خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها في أي حال من الأحوال لأنها تناهض المبادرة العربية بشأن حل الدولتين، وبالتالي بدلاً من ذلك فإن الدول العربية طرحت مشروعاً تنموياً يشترك فيه القوى الدولية لإعمار غزة مع الحفاظ على القاطنين فيها.

غير أن الجانب الإسرائيلي بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ينظر إلى أن مسألة تهجير غزة هي ضرورة حتمية لاستبعاد "حماس"، وأنه يحظى بدعم من الإدارة الأمريكية بتنفيذ هذا المخطط سواء عن طريق المفاوضات أو عبر استخدام القوى العسكرية وبذلك العودة للمربع الأول لممارسة جرائم الحرب الذي راح ضحيتها أكثر من 45 ألف شهيد.

وفي الجهة الثانية وهي إيران، قد رفضت ما تتجه إليه أمريكا من أي تصريحات استفزازية تتعلق بتهجير غزة بل على العكس توعد وكلاؤها بالمنطقة بأن يكون لهم رد مباشر على هذه الخطوات وبالتحديد من مليشيا الحوثي باليمن، وقد تنظر طهران إلى أن عودة التصعيد لغزة فرصة مهمة لتطوير برنامجها النووي.

خلاصة القول، إن إدارة ترامب تنظر إلى أن غزة هي قطعة أرض عقارية يراد بها التكسب الاقتصادي منها وجعلها منطقة تجارية حرة وتحويلها إلى أرض لا تمس بالقضية الفلسطينية بصلة من خلال تهجير أهلها، وهذه العملية الديمغرافية تعتبر إن حدثت نكبة جديدة في تاريخنا المعاصر، وأن السماح لترامب بتنفيذ مخططاته سيرسم عهداً جديداً لأمريكا يتسم بالإمبريالية المتطرفة، التي تهدم الدول والثقافات والأديان والحريات بشعارات خادعة كالسلام والازدهار المزيف.