فجأة احمر وجهه، وانتفخت أوداجه، وأنزل النافذة مستحضراً قاموس الشتائم الذي يحتوي على كل ما يخجل الإنسان من سماعه، ثم بدأ يلوح بيده موجهاً كل ذلك لسائق آخر ارتكب مخالفة بانتقاله بشكل سريع ومفاجئ من جهة اليمين إلى أقصى اليسار، لكن ما هي إلا لحظات، وبعد أن هدأ تجده خرج من المسار الذي كان فيه والمتجه بشكل مستقيم، إلى المسار الأيمن الذي لا يأخذ إلا إلى جهة اليمين، وعندما تخطى الصف الطويل حشر سيارته مرة أخرى في الصف الذي كان فيه سابقاً، مرتكباً مخالفة مرورية ليضمن تجاوزه الإشارة المرورية عندما تصبح خضراء؛ لأن بقاءه في الصف ربما يترتب عليه الانتظار حتى تغلق الإشارة، وتفتح من جديد، وإذا قلت له، لقد ارتكبت مخالفة مرورية، وتعديت على حقوق الآخرين وتجاوزت الذوق، قال لك أنا لست كالآخرين، فأنا مستعجل، لتتجلى هنا العبارة التي تنسب إلى مثل روسي قديم «أخطاء الآخرين أكثر لمعاناً من أخطائنا».هذا هو الواقع الذي نعيشه، أغلب أفراد المجتمع خبراء في انتقاد غيرهم، ويلتقطون أخطاء غيرهم بسهولة، وكأنها تناديهم، أما عن أخطائهم فهي غير مرئية بالنسبة لهم، حتى عندما يتصرف الكثير منا داخل بيته، يقدم محاضرة لابنه عن مخاطر الإمساك بالهاتف لساعات طويلة في الوقت الذي لا يترك هاتفه إلا إذا نفدت بطاريته، أما مستخدمو وسائط التواصل الاجتماعي، فيكتب أحدهم منشوراً عن تهافت الذوق والأخلاق في ما ينشر، لكنه في الوقت نفسه يضع تعليقات على منشورات مليئة بشتائم لو سمعها إبليس خجل منها، وقاطع منصات التواصل الاجتماعي.وللسياسة النصيب الأكبر في هذا الموضوع، ففي عالمها تجد اللاعبين المحترفين في هذا الاختصاص، فكل خصم يقدم خصمه على أنه الشركة العامة لإنتاج الأخطاء والفساد وسوء الأداء، وتجد الأشخاص العاديين أيضاً يلعنون السياسيين ليل نهار لسوء أفعالهم، لكن عندما يحين موعد الانتخابات يعيدون انتخابهم من جديد.التركيز على زلات الآخرين كأنه رياضة تستهوي الكثير لممارستها، فيقوون بها أبصارهم وأسماعهم، ويتفننون في رصدها ونقدها، ومع كثرة الرصد والنقد يطور الإنسان مهاراته الفذة في هذا الجانب، ويتمكن من تحويل زلات الآخرين إلى فضائح مدوية، أما إذا وقع فيها، فسيبررها على أنها زلة بسيطة، وأن الموضوع أخذ أكثر مما يستحق، وأن كلماته أخذت على غير محمل.كل ما علينا فعله أن يرى كل منا نفسه على حقيقتها، بعيداً عن الفلاتر التي لا تختلف عن فلاتر منصات التواصل الاجتماعي، ليرى أخطاءه ويتوقف عن احتراف نقد الآخرين، ولا شك إن فعل ذلك فقد أبدى شجاعة، أما يا عزيزي القارئ إن كنت تقرأ هذه الكلمات الآن، ويتبادر إلى ذهنك أشخاص آخرون ينطبق عليهم الكلام دون التفكير في ما إذا كان ينطبق عليك أو لا، فمرحباً بك في نادي النقاد المحترفين!* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية
بريق الزلات
أ.د. فراس محمد
أ.د. فراس محمد