في كل ثامن من مارس، يتبارى العالم في إلقاء الخطب العصماء، وتتصدّر عناوين الصحف تصريحات برّاقة عن تمكين المرأة، فيما تُنصب المنصات لاستعراض الإنجازات، لكن السؤال الجوهري يبقى: هل الاحتفاء بالمرأة هو احتفاءٌ حقيقيٌ بإنجازاتها، أم مجرّد بروتوكول سنوي يتمّ خلاله استهلاك الشعارات المستهلكة؟
وبين الادعاء والواقع وقراءة للمشهد الإعلامي نجد أن العالم يدّعي أنه أنصف المرأة، لكنه في كثير من الأحيان لم يفعل سوى إعادة تدوير الهيمنة الذكورية في قوالب حديثة، في دول تُعرِّف نفسها بأنها قلاع الديمقراطية، مازالت المرأة تكافح للوصول إلى مساواة حقيقية، سواء في الأجر أو في صناعة القرار، في الولايات المتحدة مثلاً، وعلى الرغم من كل التقدّم، لاتزال النساء يكسبن 82 سنتاً مقابل كل دولار يحصل عليه الرجل، وفقاً لآخر الإحصاءات الفيدرالية، أما في أوروبا فمازال تمثيل المرأة في البرلمانات الكبرى أقل من 40% في معظم الدول.
وفي كثير من الدول، تُرفع شعارات التمكين دون أن يكون لها ترجمة حقيقية على الأرض، حيث تبقى المرأة رهينة نظرة المجتمع، أو تتحول إلى واجهة تجميلية لإثبات أن الدولة «تواكب العصر»، باستثناء ما صنعته مملكة البحرين في هذه القاعدة حيث نجد أن التمكين تحول إلى واقع وليس مجرد شعار، بل سياسات فعلية انعكست على الأرقام والواقع، 55% من موظفي الحكومة نساء، وهن لا يشغلن وظائف هامشية، بل مواقع قيادية وصنع قرار، 40% من رواد الأعمال نساء، ما يضع البحرين في مصافّ الدول التي تفوقت على المعدلات الإقليمية في دعم المرأة اقتصادياً، أول امرأة خليجية تتولى رئاسة البرلمان، وهو إنجاز نوعي أثبت أن المرأة البحرينية ليست مجرد «واجهة سياسية»، بل لاعب رئيس في صناعة مستقبل الدولة، حضور قوي في السلك الدبلوماسي والقضائي، فلدينا سفيرات، وقاضيات، ووزيرات صنعن قرارات مؤثرة على المستويات المحلية والإقليمية.
إن ما حدث في البحرين لم يكن «مكرمة» أو «هدية سياسية»، بل نتاج عقود من العمل والاجتهاد، فالبحرينية لم تكن تنتظر من يمنحها الفرصة، بل انتزعتها بكفاءتها، ولهذا كانت شريكة في التنمية لا تابعاً لها.
لكن التحدي الأكبر اليوم هو عدم الركون إلى ما تحقق، فالعالم يتغير بوتيرة متسارعة، ومعه تتغير طبيعة الفرص والتحديات، المستقبل ليس في الوظائف التقليدية، بل في التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، وريادة الأعمال، وإذا كانت المرأة البحرينية قد أثبتت جدارتها في القطاعات التقليدية، فالمطلوب الآن هو أن تُعيد تعريف دورها في الاقتصاد الجديد، حيث لم يعد التفوق مرهوناً بعدد المناصب، بل بمدى القدرة على خلق القيمة والتأثير.
فالاحتفال الحقيقي اليوم هو العمل المستمر حتى لا يكون اليوم العالمي للمرأة مهرجاناً للخطابات الجوفاء، بل وقفة تقييم حقيقية، فهل ما تحقق كافٍ؟ بالتأكيد لا. لأن العالم يتطور، والتحديات تتغير، وما كان إنجازًا بالأمس، قد يصبح اليوم مجرد تحصيل حاصل.
المرأة البحرينية تجاوزت مرحلة «المطالبة بالحقوق»، وأصبحت في مرحلة إعادة تعريف دورها في مستقبل البحرين.
* إعلامية وباحثة أكاديمية