قدّم وزير المالية والاقتصاد الوطني، الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة عرضاً تفصيلياً لنتائج السياسات الاقتصادية التي تبنتها البحرين خلال السنوات الماضية، خلال مشاركته في الجلسة الرئيسة بعنوان «مقومات اقتصاد مملكة البحرين والتوجهات المالية والاقتصادية المستدامة» في منتدى «نحو تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة» الذي نظمته الأمانة العامة لمجلس الشورى.

الأرقام التي استعرضها الوزير تُظهر تحسناً في المؤشرات الكلية، بل تعكس مساراً ممنهجاً نحو تحقيق الاستدامة، وتنويع الاقتصاد الوطني بما يتماشى مع الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين.

إذ حين ترتفع مساهمة القطاعات غير النفطية إلى نحو 86% من الناتج المحلي الإجمالي، فإنها مؤشر على الجهود المبذولة لتحرير الاقتصاد من تقلبات أسعار النفط، وبناء قاعدة تنموية أكثر مرونة.

أما إنجاز 80% من خطة التعافي الاقتصادي، فيعكس التزاماً تنفيذياً ملحوظاً، ويتجاوز مرحلة التخطيط إلى واقع ملموس.

كذلك، حين يكشف الوزير أن الاقتصاد البحريني تضاعف أربع مرات منذ عام 2004، بمعدل نمو سنوي مركب يقارب 7%، مقارنة بمعدل عالمي يبلغ نحو 5%، فإن هذه الأرقام تحمل في طياتها رسائل متعددة.

أولها أن السياسات الاقتصادية التي تم تبنيها قادرة على دفع النمو وجعله أكثر استدامة وشمولية.

لكن السؤال الجوهري هنا ليس فقط عن حجم النمو، بل عن أثر هذا النمو: هل يشعر به المواطن؟! وهل ينعكس على جودة الحياة، والأمن الوظيفي، والاستقرار المعيشي؟! هذه هي التحديات التي نثق بأن حكومتنا تعمل بكل جهودها لتحقيقها.

في جانب المالية العامة، يبرز التحول الهيكلي حين تُغطى النفقات الجارية بالكامل من الإيرادات غير النفطية، وهي خطوة طالما شكّلت هدفاً استراتيجياً للبحرين في سعيها لتعزيز مناعة الميزانية.

كما أن سعي المملكة إلى خفض الدين العام إلى ما دون 60% من الناتج المحلي الإجمالي يتوافق مع أفضل الممارسات العالمية، ويُرسل إشارات إيجابية للمؤسسات المالية الدولية والمستثمرين على حد سواء.

الأرقام المتعلقة بالاستثمار الأجنبي تعزز هذا الاتجاه، إذ بلغ حجم الاستثمار المباشر 17 مليار دينار في عام 2024، مقارنة بـ11 ملياراً فقط في عام 2018، ما يدل على تحسن مناخ الأعمال وثقة المستثمر الخارجي في السوق البحريني.

كذلك يُظهر دور القطاع المصرفي، الذي يمثل 17% من الناتج المحلي الإجمالي، اتساع قاعدة التمويل والاستقرار المالي، في وقت تُولي فيه البحرين اهتماماً خاصاً للبنية التحتية، كما يتضح من مشروع توسعة قدرة الشحن الجوي في مطار البحرين إلى أكثر من مليون طن سنوياً، بهدف تعزيز مكانة المملكة كمركز لوجستي إقليمي.

ومثلما بينا أعلاه في التساؤلات، التحول الاقتصادي المؤثر يكتمل عبر ترجمته إلى أثر مباشر في حياة الناس. وهنا تبرز أهمية البيانات التي أشار إليها الوزير حول زيادة عدد المواطنين البحرينيين العاملين في القطاع الخاص إلى أكثر من 103 آلاف في عام 2024.

هذه الأرقام مشجعة، والتحدي الأكبر يكمن في الحفاظ على هذا المسار، وضمان أن تكون بيئة العمل جاذبة للمواطن، من حيث الاستقرار والعدالة وفرص التطور.

الأرقام الإيجابية التي تم استعراضها لا ينبغي أن تُفهم بمعزل عن التطلعات المجتمعية. فنجاح الخطط الاقتصادية يكتمل عندما يلمس المواطن أثرها في تفاصيل حياته اليومية، سواء في دخله، أو في جودة التعليم والصحة، أو في فرص العمل المتاحة لأبنائه. ولا شك أن حكومتنا الموقرة تخطو بخطى ثابتة من خلال الأداء الكلي لتنعكس التداعيات الإيجابية على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع.

التفاؤل بالمستقبل له أساس موضوعي في هذه الحالة، خاصة مع وضوح الرؤية وفعالية التنفيذ، والمطلوب هو الاستمرار في ربط الأرقام بالواقع الاجتماعي، والعمل على أن تكون كل إنجازات الاقتصاد مرآة لتحسين جودة حياة المواطن البحريني، الذي يستحق أن يكون الشريك الأول والمستفيد الأبرز من هذا التحول.

ثقتنا بكم كبيرة، وبالتوفيق لكل الجهود المخلصة.