قرار أُجل لسنوات، بل لعقود أن يحدد الولائيون العرب وتحديداً في لبنان والعراق واليمن، موقفهم هل هم مع دولتهم الوطنية ومع قوميتهم العربية؟ أم هم مع مرجعيتهم الدينية الإيرانية (والولائيون هم مقلدو مرجعية الإمام خامنئي وهو في ذات الوقت الزعيم السياسي للدولة الإيرانية).
السبب الذي يلزمهم اليوم لتحديد الموقف أن إيران الدولة، إيران النظام السياسي، ومعهم مقلدو المرجعية الإيرانية أصبحوا جميعاً في مواجهة دولية تحشد لهم الحشود العسكرية براً وبحراً وجواً، وقد تم تحذير مقلدي الإمام العرب التحذير الأخير لإعلان الانفصال عن النظام الإيراني كتبعية، والانضواء تحت لواء الدولة في لبنان والعراق واليمن وسوريا وفي كل دولة لهم فيها حضور سياسي أو عسكري.
أي مطلوب من كل مقلدي الإمام الإيراني من العرب الاختيار بين مصلحة أوطانهم أو مصلحة النظام الإيراني.
في السابق لم يضطر مقلدو المرجعية الإيرانية أن ينفصلوا سياسياً عنها، لم تحدث مواجهة حقيقية بين النظام وأي نظام خارج حدودهم السيادية (عدا العراق) بل بالعكس كانوا في حلف مع العديد من الأنظمة الغربية التي رعتهم ومنحتهم الدعم الذي يمكنهم من مواجهة دولهم، صنفتهم كمعارضة أو كأقلية من حقها أن تنفصل عن الدولة، بل تغاضت في كثير من الأحيان عن استخدامهم للسلاح ولجوئهم للعنف، أما اليوم اختلفت المرجعية الدينية مع النظام الدولي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فأصبحت إيران الدولة بنظامها وأتباعها (مقلدي المرجعية الإيرانية) في مرمى الهدف.
المفارقة أن النظام الإيراني وحفاظاً على نفسه عرض التفاوض، بل وأكثر من ذلك عرض تغيير منهجه بالكامل إلى درجة إغراء الولايات المتحدة الأمريكية بالدخول شريكاً مع النظام في الاستثمار في الداخل الإيراني؛ مما يعني نسف كل الشعارات السابقة ومحوها تماماً فلا شيطان أكبر ولا عدو ولا الموت لأمريكا، قبل النظام الإيراني خلع عبايته والتعري بإغواء الأمريكي بأربعة تريليون دولار مزايداً عن السعودية والإمارات، إنما في ذات الوقت طلب من مقلديه من العرب أن لا يسلموا سلاحهم للدولة، ويستمروا في (مقاومة أنظمتهم) إلى أن ينتهي هو من مفاوضته مع عدوهم، باختصار طلب منهم الانتحار مقابل سلامته.
الانقسام الآن هو بين مقلدي المرجعية الإيرانية، منهم من فهم اللعبة، وتأكد بأن المرجعية تخلت عنه، وتستخدمه درعاً لحماية نفسها، وتزايد عدد الذين أعلنوا قبولهم الانضمام تحت لواء الدولة، ومنهم من هو مستفيد مادياً ومعنوياً من النظام، وسيحارب من أجل استمرار تلك المكاسب الشخصية، منهم من بقي في وهمه يقنع نفسه أن مطالب المرجعية لها تأصيل ديني وعليه الالتزام بتلك المطالب والتضحية بروحه من أجل سلامتها.
الجدل في لبنان والعراق تحديداً على وسائل الإعلام هو بين شيعة وشيعة، بين شيعي مصر على البقاء تحت مظلة المرجعية الإيرانية، وشيعي مدرك تخلي المرجعية عنه، بين شيعي قرر التخلي عن المرجعية والعودة لمواطنيه بكل طوائفهم وبين شيعي مصر على العزلة، فقرار العزلة وقرار الانفكاك قرار شيعي صرف، الدولة اللبنانية والعراقية تفتح ذراعيها، والشعب اللبناني والعراقي يناديهم، والقرار مازال بيدهم.